لكن مراقبين يقولون إن إدارة ترامب حسمت أمرها بشكل واضح على أكثر من جبهة، فهي من ناحية توثق علاقاتها الاقتصادية والأمنية مع حلفائها في الشرق الأوسط وبينهم دول الخليج، التي لا يفتأ أردوغان يستفزها عبر الإشاعات والاتهامات، ومن ناحية ثانية وقوفها ضد جماعات الإسلام السياسي بوجوهها المختلفة، بما في ذلك تلك التي يتحالف معها الرئيس التركي، كونها حركات مهددة لمصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي.
ولن يجلب الاستثمار في قضية خاشقجي لأردوغان أي مكاسب في واشنطن أو في بقية دول الغرب، فضلا عن أنه يوسع الهوة بين تركيا وعمقها العربي والإسلامي ويفوت عليها فرصا كثيرة لإنقاذ اقتصادها المتهاوي.
واكتشف الأتراك الذين انتخبوا بكثافة في المدن ضد حزب العدالة والتنمية أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد تعود في جوهرها إلى المواقف السياسية الخارجية للرئيس التركي الذي وسع دائرة الأعداء بشكل هز الثقة في استقرار البلاد وبدت تركيا مكانا غير آمن لاستقبال رؤوس الأموال الخارجية، وخاصة من دول الخليج التي تتصدر أرقام الاستثمار في المنطقة وتنافس على أعلى مستوى في الاقتصاديات الكبرى.
وخلق الهجوم الإعلامي، الذي قادته وسائل إعلام تركية في قضية خاشقجي ضد السعودية وقيادتها، حالة من الريبة والشك في دول الخليج تجاه تركيا، ما حدا بسياح هذه الدول إلى التوقف بشكل شبه تام عن زيارة مدن تركية كانت في السابق قبلة سياحية مفضلة للعائلات الخليجية.
كما توقف الاهتمام الكبير بالمسلسلات التركية لدى الجمهور الخليجي خاصة بعد التفطن إلى أنها تروج لإحياء الاستعمار العثماني، وهي الحقبة التي لم تنس فيها ذاكرة شعوب المنطقة صور القتل والاستغلال.
إلى ذلك، فقد تسبب الهجوم الإعلامي التركي على السعودية في ردة فعل قوية لوسائل إعلامية خليجية وعربية نجحت في وضع أنقرة بالزاوية، وهو ما اعترفت به قناة الأناضول منذ أسبوع حين اشتكت من أن الإعلام السعودي يقود حملة ممنهجة ضد صورة أردوغان والدولة العثمانية.
ويجني الرئيس التركي نتائج سياسته التي قامت على استعداء الكل، وهي سياسة لم تجلب لتركيا سوى تراكم الأزمات بدل تصفيرها، وأن استمراره في الهروب إلى الأمام باستهداف السعودية أو الإمارات لن يحل أزمة الاقتصاد التركي، أو يخفف من تدني شعبيته في الشارع.
ويقول الصحافي التركي إن “ما نعرفه نحن الصحافيين أيضا، هو أن نتائج الانتخابات المحلية تركت حزب العدالة والتنمية الحاكم قلقا. يوم الخميس، استهدفت ‘فاينانشال تايمز′ كمركز للتآمر ضد الحزب الحاكم بسبب تقييمها لاحتياطيات البنك المركزي. ويوم الجمعة، اتهم الصحافي الناقد، قدري غورسيل، أردوغان قائلا أنه غير صادق. وكشف تقديم اسمه وأسماء سبعة صحافيين آخرين من أجل تسريع سجنهم، والذي يقول إنه أصبح أمرا وشيكا. قد تبدو كل هذه الحوادث منفصلة. ولكن، تظهر حكومة حزب العدالة والتنمية علامات تدل على ذعرها”.