إستطاع وزير المالي وعلى مدى طول الحلقة مع الزميل مارسيل غانم أن يلامس مشاعر معظم اللبنانيين، وبدا وكأنه الحريص على إنقاذ البلد من الإنهيار الإقتصادي المرتقب، طمئن صغار الموظفين والعسكر وأصحاب الدخل المحدود، وبدا وكأنه المدافع الأول عن حقوقهم وأن "السلسلة" لن يمسها السوء.
ولا بد هنا من الإعتراف بنجاحه المتقن، بتقمص شخصية الناشط الإجتماعي، أو قل معارض من الطراز الرفيع بحيث لم يتوانى عن إطلاق سهامه نحو الفاسدين والمتغولين على المال العام، وفند بالأرقام والمعلومات عن الكثير من موارد الهدر والسرقات والتلاعب على القانون حتى أننا ونحن نتلذذ بسماع لهجته الحاسمة والحريصة على تخفيض عجز الموازنة من جيوب بعض اللصوص والكسبة نسينا لوهلة انه هو نفسه صاحب موازنات السنوات الفائتة بكل ما تحتويها من ويلات وبلاوي ومصائب ذكرها بنفسه في سياق الحلقة.
إقرأ أيضًا: باسيل إلى موسكو، عبد المهدي إلى الرياض: هل رفعت ايران الراية البيضاء؟
لا شك أن خروج وزير المالية في خضم كل هذا الجو السوداوي الذي يخيم على سماء البلد وما قيل ويقال عن إنهيار إقتصادي وشيك على الإعلام، ومخاطبة الرأي العام هو جرأة عظيمة تحتاج إلى الكثير الكثير من مؤنة الصدق والشفافية أو الكثير الكثير من الدهاء.
ولأن المرأ مخبوء تحت لسانه كما يقول علي بن أبي طالب، فإن اكثر ما إستوقفني بكلام وزير المالية نقطتين اثنتين، مرتا مرور الكرام ولهما مداليل كبيرة تنسف كل الصورة الجديدة التي حاول صاحبنا أن يظهر عليها.
النقطة الاولى، حين قال بأنه كان قد قّدم موازنة مالية للعام 2019 غير هذه الموازنة (إلتزامنا منه بالمواعيد القانونية)، وهي مشابهة تماما لموازنات السنوات السابقة ولا تتضمن اي من البنود الاصلاحية التي جاء على ذكرها وخبرنا عن فضائحها ومساؤها، لولا أن ظروف ومتغيرات مالية وإقتصادية طرأت واستجدت (شروط دولية) حتّمت عليه وعلى الأطراف السياسية كل هذه الاصلاحات والبطولات التي إدعاها.
إقرأ أيضًا: لهذا أنا مع خفض الرواتب
النقطة الثانية هي جوابه على سؤال: من المسؤول عن وصول الأوضاع إلى ما نحن عليه الآن؟؟ فقال: ومن دون خجل أو حياء: كلنا مسؤولون عن تدهور الأوضاع ولا ابرء أحد!!!!
وعليه، فإن أي مسؤولًا، نائبًا كان أو وزيرًا أو رئيس كتلة نيابية أو حتى مدير عام شارك أو سكت أو قصر، ويريد أن يطل على اللبنانيين وعنده الحد الادنى من المسؤولية الوطنية والحس بالكرامة الإنسانية، فعليه وهو المشارك بكل تلك الموبقات السابقة التي أوصلتنا الى هذا الدرك ويريد أن يخاطب اللبناننيين، فعليه فقط أن يقدم اعتذاره منهم ويعلن فقط تنحيه عن موقعه، وهذا ما لم يقوله وزير المالية ولن يقوله لا هو ولا كل المتربعين على كراسيهم وتلطخت أيديهم بالمال العام.