لفت المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين إلى "أن الظروف الداخلية والإقليمية المحيطة تزيد في صعوبتها وتضاعف من انعكاساتها وتداعياتها على المستويات كافة، وبخاصة الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلد، الأمر الذي يؤشّر إلى العديد من المفاجآت الخطيرة التي يمكن أن تصيب الاستقرار الأمني والاجتماعي بالضرر الكبير في الدولة ومستقبل اللبنانيين الذين يعيشون أزمات حقيقية ويواجهون ضغوطات حياتية وبيئية وصحية صعبة، تتقدمها مشكلة النزوح السوري، وما ترتبه من أعباء باتت تشكّل حملاً ثقيلاً على كاهل اللبنانيين، في ظل دولة مهترئة، وطبقة سياسية مارست ولا تزال المافياوية السياسية والاحتكارية التي أفرغت الخزينة وأوصلت البلد وكل قطاعاتها الحيوية والإنتاجية إلى حال من الشلل التام، ووضعتنا نحن اللبنانيين أمام الخيارات الصعبة، فإما أن تتنازلوا أيها اللبنانيون عن حقوقكم في تحصيل لقمة عيشكم وتقبلوا بما يفرض عليكم من تخفيضات وحسومات على مصادر رزقكم، وإلا فالانهيار أمامكم".
واعتبر المفتي قبلان أن ما نحن فيه سببه "سياسة التهويل والتجويع، سياسة الصفقات والمحاصصات ومصير الأجيال، سياسة الفساد والهدر وتقسيم المنافع، سياسة المتاريس الطائفية والمذهبية على حساب المواطنة والكفاءة والأهلية، سياسة المزرعة، لا سياسة الوطن والدولة والمؤسسات، بل سياسة ابن الست وابن الجارية، منذ صيغة 1943، كما أن تسوية الطائف لم تأتِ بعدل، بل صبّت ظلماً بهذا المصب، سياسة العصبية المذهبية والنكد والتحدي، وتضليل الناس بعناوين جوفاء لا صلة لها بالإصلاح ولا بالتغيير ولا بالإنماء ولا بالسيادة ولا بالحرية، إنما هي سياسة التبعيات والإملاءات والإيحاءات التي تكاد تفقدنا كل شيء، وتضيّع بلدنا ودولتنا وهويتنا، إذا لم تستيقظ ضمائر المعنيين والمسؤولين، وتعترف بأن ما نشهده، وما يتعرّض له اللبنانيون، ليس من مسؤولية العسكري، ولا المعلم، ولا العامل، ولا كل هذه الطبقات الفقيرة التي بالكاد تؤمّن قوتها اليومي، إنما هي مسؤولية أهل السلطة وأصحاب النفوذ الذين راكموا الأخطاء واستمروا فيها بذات الثقافة وبنفس الذهنية، وعلى النهج الذي لا يصون وطناً ولا يبني دولة، وما نحن فيه يلخّص صورة لوطن جريح ومواطن يتألم ولمسؤولين متربعين على عروش الفساد وثقافة الغش والخداع، يكدّسون الثروات، ويحصون العقارات، وينفضون أيديهم من أي خطيئة في حين أنها منهم خرجت وإليهم تعود، وما نحن في كل هذا وذاك إلا قطعاناً شاردة في مراعي الوعود الموهومة".
وأضاف "وحدهم هم المسؤولون عن التدهور المالي والتعسّر الاقتصادي، وعن كل ما يعيشه البلد من مشاكل ومخاطر قد تودي به إلى الانهيار وعليهم تترتب المسؤوليات، والحلول ينبغي أن تخرج من بنوكهم وجيوبهم وشركاتهم، من امتيازاتهم، من التقديمات المقنّعة، والأرقام الخيالية التي تدفع للرؤساء والنواب السابقين، وللأبنية المستأجرة، ولشركات الخليوي، من بدلات السفر واللجان والمستشارين، من عشرات المليارات التي تعطى للجمعيات الوهمية. نعم، الحلول ليست بحرمان الناس والتعدي على حقوقهم المشروعة، بل بوقف الهدر وقطع دابر الفساد، وإلغاء الإعفاءات الضريبية واستعادة الأملاك البحرية، وإلا فعبثاً يحاولون".