بات من المؤكد، وعلى ما أدلى به رئيس الحكومة ومعلومات أخرى موثوقة، أن الموازنة العامة للعام 2019 لن توضَع على طاولة مجلس الوزراء إلا بعد عيد الفصح، هذا يعني أن الموازنة تم ترحيلها إلى شهر أيار بتأخير خمسة أشهر عن موعد إقرارها الذي كان يجب ان يكون في آخر سنة2018، وبتأخير شهرين عن التاريخ الذي حدده الموفد الفرنسي المكلف تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر بيار دوكان الذي كان طلب أن تُنجز الموازنة في آخر آذار الفائت كحد أقصى، وفي آخر هذه السنة يجب ان تُنجز موازنة العام 2020 وكأن وراء الأكمة ما ورائها حيث هناك من يريد اعادة إحياء معادلة المسار والمصير.
بلا شك أنه لا يمكن للبنان الهروب من الجغرافيا السياسية، ولكنه بإمكانه عدم الإستمرار في سياسات تجويف الدولة والاقتصاد، وليس صدفة أن تتعالى الأصوات المحذرة من الأزمة الإقتصادية الإجتماعية أو المالية والنقدية، في موازاة أزمات خانقة متعددة تعيشها المناطق السورية المختلفة، ولا سيما المناطق المحسوبة على النظام، أزمات المحروقات والغاز والكهرباء التي تعيشها سوريا سيكون لها أثرها على لبنان.
إقرأ أيضًا: التحرك في الشارع تحذير للحكومة فهل ستتراجع؟
فهل نسى اللبنانيون مشاهد الطوابير أمام الافران او محطات المحروقات أيام الحرب الاهلية، وها هم اليوم يستذكرونها من خلال المشاهد الآتية من سوريا، بينما يعيش لبنان على قلق التخوف من انفجار اقتصادي.
واذا ما كانت الازمات السورية ناجمة عن ضغوط اقتصادية وعقوبات، فإن لبنان يعاني بسبب سوء الادارة وانتشار الفساد وعدم مكافحته، وعدم الاقدام على اجراءات اصلاحية سريعة وحقيقية، كما أنه قابل للتعرض للعقوبات لحظة اتجاه الادارة الأميركية لتوسيع منظومة عقوباتها على حزب الله بحيث تشمل حلفاءه أيضاً.
وسط هذه الأزمات، هناك في لبنان من يريد الاستمرار في سياسة الشعبوية السياسية، ليس فيما يتعلق باقتراح حلول ارتجالية للأزمات، بل أيضاً من خلال مقاربة الملف السوري، ويصر دوماً على الدعوة الى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، بينما النظام يرزح تحت عقوبات لا مهرب منها إلا الاختناق، ويتناسى هؤلاء المستعجلون الى تطبيع العلاقات واعادة احياء معادلة المسار والمصير بأن ثمة قانوناً اميركياً واضحاً قد صدر قبل فترة يعرف بقانون قيصر، وهذا من شأنه فرض عقوبات قاسية جداً على كل من يتعامل مع النظام السوري او يتعامل مع المتعاملين معه.
إقرأ أيضًا: لبنان بين سندان الداخل ومطرقة الخارج
وفي موازاة هذه الارتجالية في الطروحات، يقف لبنان على شفير انهيار محتّم، اقتصادياً واجتماعياً، فإذا لم تلجأ الحكومة الى اجراءات استثنائية وتقشفية ستكون أمام انهيار مالي واقتصادي.
وإذا ما ذهبت نحو تطبيق هذه الاجراءات على الموظفين وصغار الكسبة، فإن ذلك سيؤدي إلى انفجار إجتماعي، بدأت نذره تلوح في الأفق من خلال التحركات والإحتجاجات الشعبية التي تدعو اليها قطاعات مختلفة.
مما لا شك فيه أن لبنان أمام استحقاق دقيق وخطير، ولا حلّ لتجنّب الأسوأ إلا بالاقدام على خطوات جريئة، تبدأ بتخفيض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء، ولا تنتهي بفرض ضرائب مزيدة على المواطنين بحيث يصبح الاقتطاع من رواتبهم بشكل غير مباشر.