قبل أن ترتفع نسبة الضجيج تزامناً مع حجم الملفات المفتوحة دفعة واحدة، المالية منها والكهربائية وتلك التي تعني النازحين السوريين والمناكفات التي نمت على هامش الحرب المعلنة على الفساد، كان رئيس الحكومة سعد الحريري قد خاطب في 3 نيسان الجاري سفراء الاتحاد الأوروبي في دول المنطقة الذين التقوا في السراي الحكومي على هامش مؤتمرهم السنوي الذي انعقد هذه السنة في لبنان. فقدّم لهم عرضاً يتناسب وما يطالبون به الحكومة اللبنانية لجهة إثبات قدرتها على السير في خريطة الطريق المؤدّية الى ترجمة مقررات مؤتمري «سيدر 1» و»بروكسل 3» الخاص بالنازحين السوريين في دول الجوار السوري والعالم.
عرض الحريري أمام المجتمعين للأوضاع في لبنان عموماً وتوجّهات الحكومة والخطط التي تنوي تنفيذها. وتوقف عند الإصلاحات في الموازنة العامة وقطاع الكهرباء ومكافحة الفساد وما يتصل بخطط النهوض الاقتصادي مجدداً، التزام الحكومة كلياً بتطبيق الإصلاحات التي أقرّها مؤتمر «سيدر1» في وقت قريب وبما التزم به لبنان امام مؤتمر «بروكسل 3» مثمِّناً ما يقوم به الاتحاد الأوروبي لمساعدة لبنان في إطار الشراكة القائمة بينهما، والدور الذي يضطلع به في مساعدته على تحمل أعباء اللاجئين السوريين في لبنان مجدداً، التزام لبنان سياسة «النأي بالنفس» عن كل ما يجري من توترات وحرائق في المنطقة.
انتهى اللقاء مع السفراء الذين تقدمتهم رئيسة بعثة الاتحاد السفيرة كريستينا لاسن الى ما يشبه التوافق على ضرورة إعطاء لبنان الفرصة الكافية لمواجهة سلسلة الإستحقاقات التي تواجهها الحكومة. وعبّر أحد السفراء في تقويمه لما تشهده الساحة اللبنانية عن شعور اختلط فيه القلق مع الأمل في آن واحد. وقال: «رغم اعتراف المجموعة ومعها كثير من الخبراء الدوليين أنّ لبنان خسر حتى اليوم كثيراً من الفرص المتاحة، لكنّ ذلك لا يعني أنها انتهت. فالأبواب مفتوحة على مخارج وحلول محدودة لم يعد أحد قادراً على تجاهلها أيّاً كان الثمن. فالحكومة باشرت في مقاربة ما التزمت به في مؤتمر «سيدر» بعد مرور عام على انعقاده (6 نيسان 2018). وبعد شهر على انعقاد مؤتمر «بروكسل 3» (14 – 15 آذار 2018). لكنه وعلى رغم من حدة ملاحظته لم يفقد الأمل في إمكان قيام الحكومة بمجموعة إجراءات لا بد منها. فهو متأكد انها قد تكون المرة الأولى التي يستشعر فيها السفراء بمثل هذه الأجواء الجدية التي يعبر عنها المسؤولون. فالأرقام والمؤشرات الإقتصادية والمالية التي باتت على كل لسان وشفة لا ترحم. وهي عند قراءتها المنطقية والعلمية تعطي دروساً لا يمكن أيُّ عاقل تجاهلها على الإطلاق. فكيف إذا كان العالم كله يراقبهم ويدعوهم الى مزيد من الجرأة في مقاربة الأمور على حقيقتها من دون محاولات التفلّت من الرقابة المشدّدة التي تحدثت عنها المؤتمرات السابقة وتلك التي تمارسها المؤسسات الدولية والجهات المانحة على كل الصعد.
وعليه، يضيف الديبلوماسي، أنّ المراجع الأوروبية التي تواكب الحكومة اللبنانية في مسيرتها الشاقة مستعدة لإبداء التعاون الذي يطلبه اللبنانيون. فإلى جانب التأكيدات الدولية لإستمرار الدعم الذي تحظى به القوى العسكرية والأمنية اللبنانية بلا أيّ تردّد، فهي تتعاطى مع بقية الملفات على القطعة. ولن تتهاون في مراقبة الخطوات المقبلة بما لها من قدرة على مواكبتها بدقة متناهية تفوق قدرات بعض الأطراف اللبنانية ولا سيما منها المعارضة. وهو أمر ليس خافياً على أحد وقد تبلغ المسؤولون اللبنانيون هذه القرارات الكبرى مع الحرص على تفهّم العوائق التي حالت الى الآن دون المباشرة بها.
وعلى هامش الحوار الذي تركّز على هذه الملفات عبر الديبلوماسي امام محاوريه عن الشعور أنّ كل هذه القرارات محكومة بالتزام لبنان سقوفاً لم تعد مرتفعة أو بعيدة عن مراحلها التطبيقية. فالأمور بلغت حدوداً لا تُحتمل وان المجتمع الدولي لن يسمح بوصول لبنان الى ما وصلت اليه اقتصاديات بعض الدول، في إشارة غير مباشرة الى ماعانته اليونان وقبرص منذ فترة وجيزة. ولكنّ الأمر رهنُ تجاوب الحكومة وقدرتها على استغلال الفرص المتاحة واستخدام مكامن القوة التي تميّزها. فالديون ما زالت بنسبة عالية لبنانية المصدر، وإن بقيت على هذه النسبة فهذا مؤشر إيجابي في حدِّ ذاته. وإنّ القطاع المصرفي لن يتجاهل قدرات الدولة المحدودة ولن يتفرّد بأرباحه لوحده. فهو كان وما زال مستعداً لمشاركة الحكومة في مواجهة الوضع الصعب لأنّ الإنهيار لن يوفره أيضاً فالجميع محكوم بالمصير نفسه.
ويشير الديبلوماسي الى أنّ المرحلة الحالية لا تشبه سابقاتها، فالعيون مفتوحة على لبنان، وكل القطاعات فيه تحت المجهر، ولن تكون هناك مهل طويلة. والأمر لا يقف عند وجود قرارات داعمة للبنان بمقدار ما باتت المسؤولية ملقاة على اللبنانيين لملاقاتها بالتدابير والإجراءات الإيجابية الى حين الخروج من مسلسل المآزق القائمة، فنحن في موقع واضح يُختصر بكلمات قليلة: نحن نراقب ونتنتظر لنرى ونحكم ونقطة عالسطر».