أعلن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض الأربعاء، تسلّم مرشحه أكرم إمام أوغلو، وثيقة رئاسة بلدية إسطنبول من رئاسة لجنة الانتخابات بالمدينة. فيما يطالب حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان، بإعادة فرز الأصوات في عموم المدينة.
ويلقي مؤيدو أردوغان باللوم على الاقتصاد والمرشح وأي شيء آخر في هزيمة الحزب الحاكم في انتخابات رئيس بلدية أكبر مدينة في تركيا، كل شيء باستثناء زعيم البلاد، الذي وصف خصومه بالمتعاطفين مع الإرهاب.
ويمثّل فشل حزب العدالة والتنمية ضربة لمكانة الرئيس الذي ظل في السلطة منذ عام 2003 وقد بدأ مسيرته السياسية عندما أصبح رئيس بلدية إسطنبول في عام 1994.
ويرى مراقبون أن استنزاف حزب العدالة والتنمية للطعون الانتخابية في سبيل التأشير على نتائج انتخابات إسطنبول لا تنفصل عن المعاملات الفاسدة التي استمرت لمدة 25 عاما في سلطة البلدية. وإذا تم الكشف عن هذه المخالفات، فسوف يرقى هذا إلى الانتحار السياسي للنظام.
وعندما فازت المعارضة التركية ببعض من كبرى البلديات في الانتخابات المحلية التي أجريت في الحادي والثلاثين من مارس الماضي، أعلن كثير من المحللين انتصار الديمقراطية التركية.
وأظهرت الانتخابات أن المعارضة نظمت صفوفها بشكل أفضل بكثير من ذي قبل وأن الناخبين لا يزالون يشاركون بقوة في التصويت. كما بيّنت أنه لا يزال بإمكان المعارضة أن تفوز بمناصب سياسية كبيرة من خلال الانتخابات، وإن كان حزب العدالة والتنمية يحاول تغيير نتائج إسطنبول.
ويقول خبراء إن الانتخابات وحدها لا تساوي الديمقراطية، وإن تركيا لم تشهد ديمقراطية حقيقية منذ سنوات، حيث يتفق معظم على أن البلاد تقع ضمن فئة هجينة بين الديمقراطية والاستبداد التام تعرف باسم السلطوية التنافسية.
وعلى عكس الأنظمة الاستبدادية في دول مثل الصين أو كوريا الشمالية، فإن الأنظمة السلطوية التنافسية مثل صربيا والمجر وسنغافورة بها أحزاب معارضة مستقلة وانتخابات تخلو بصفة عامة من التزوير الواسع النطاق، ولكنها لا تتيح فرص منافسة متكافئة لجميع الأطراف التي تخوضها.
ويوضح بيرك أسين من جامعة بيلكنت في أنقرة “لديكم نظام سلطوي. مؤسسات الدولة تخضع لسيطرة الحزب الحاكم، لكن الانتخابات ما زالت تنافسية إلى حد ما. فالمعارضة لا تزال تحظى بفرصة للفوز بالسباقات الانتخابية، سواء على الصعيد الوطني أو المحلي”.
وقال قره بكر آق قويونلو، خبير السياسة المقارنة في جامعة ساو باولو، إن تركيا خرجت من دائرة الديمقراطية في 2015، حين رُفضت نتائج الانتخابات من الأساس للمرة الأولى منذ أول انتخابات حقيقية تشهدها البلاد في العام 1950.
وبعد أن أسفرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر يونيو عن فقدان حزب العدالة والتنمية لأغلبيته وعجزه عن تشكيل ائتلاف حكومي، رفض أردوغان السماح للمعارضة بتشكيل حكومة. وبدلا من ذلك، دعا أردوغان إلى إجراء انتخابات جديدة في شهر نوفمبر، وأذكى النعرة القومية لكسب المزيد من الأصوات.
وقال آق قويونلو لموقع “أحوال تركية” الناطق بالعربية والإنكليزية والتركية إن العملية لم تكن مخالفة للقانون من الناحية الفنية، لكنها “كانت تتعارض تماما مع روح الديمقراطية”، بيد أن الديمقراطية في تركيا كانت مشوبة بكثير من العيوب حتى قبل العام 2015.
ويرى آق قويونلو أنه حين خسر الحزب أغلبيته في الانتخابات التي جرت في شهر يونيو من العام 2015، كان الممكن أن تكون هذه بداية سقوطه، لكن أردوغان رفض قبولها، وبدأ في استخدام المزيد من القمع من أجل التشبث بالسلطة، منتقلا من نظام الديمقراطية التفويضية السلطوية إلى نظام السلطوية التنافسية غير الديمقراطية.
ويقول آق قويونلو إن سلطوية أردوغان مستمرة على نفس المنوال الذي ساد في الماضي، ولكن مع بعض الاختلافات.
وأضاف “هيمنة حزب العدالة والتنمية، على عكس الجنرالات، تستند إلى نجاحه المستمر في الانتخابات. فقدر كبير من خطابهم وشرعيتهم مستمد من صندوق الاقتراع… ذلك أمر جيد حين تفوز في الانتخابات، ولكن ماذا يحدث عندما تبدأ في خسارتها؟”.
وتابع “أعتقد أن هذه التحديات غرست شعورا بانعدام الأمن الوجودي، ودفعته وحاشيته إلى الاعتقاد بأن أي خطوة للوراء هي بمثابة بداية النهاية. لذا أعتقد أنه لا يمكنهم تقاسم السلطة أو التخلّي عنها بشكل فعّال وهو ما يجعل الديمقراطية واهية”.
والآن، وفي ظل عدم قبول نتائج الانتخابات المحلية في إسطنبول على ما يبدو، يخطو أردوغان خطوة أبعد من تلك التي اتخذها في 2015، “من خلال اختلاق المبررات في الواقع لإلغاء الانتخابات”. ولعل من أخطر موروثات عهد حزب العدالة والتنمية هو أن الأتراك بدؤوا يفقدون ثقتهم في الانتخابات للمرة الأولى منذ العام 1950، بعد التشوهات الكبيرة التي شابت الانتخابات وقمع الناخبين، بل والتزوير المحتمل على غرار ما شهدته الانتخابات المحلية في أنقرة في العام 2014.
وفي العام 2002، تولّى حزب العدالة والتنمية الذي حظي بشعبية زمام السلطة بعدما خاض الانتخابات بمرشحين من شتى الأطياف وبرنامج إصلاحي يتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وسرعان ما بدأ الحزب في تعزيز سيطرته على الحكم، وتمكّن من إقصاء الجيش بشكل كامل تقريبا عن الشؤون المدنية بحلول العام 2010.
ومن ثم بدأ الحزب عهدا جديدا من السلطوية المدنية الانتخابية، فيما يشير إليه البعض باسم “الديمقراطية التفويضية”. ولم يلبث حزب العدالة والتنمية أن بسط سيطرته على المؤسسات بما فيها القضاء والإعلام.