يأتي ذلك في وقت جددت باريس حَث لبنان على وضع موازنة تقشفية، وذلك عبر السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه، الذي اكد في حوار عبر «تويتر»، شاركت فيه «الجمهورية»: انّ الحكومة اللبنانية اعتمدت برنامج عمل طموحاً ووافق عليه مجلس النواب وبدأت العمل على ملفات عدّة أساسية من ضمنها الكهرباء، وكذلك على بناء موازنة تقشفية ونتوقع أن يستمروا في هذا الاتجاه.
ولفت الى انّ لبنان يعاني مديونية كبيرة ووضعه المالي سيئ، ولكن حالة الدين اللبناني لا تشبه ديون اليونان، لذلك من الضروري أن تتخذ الحكومة إجراءات حازمة لاستعادة التوازن وفق ما تعهدت به أمام مجلس النواب.
وحول «سيدر» قال: تطبيقه بدأ، ونعتبر انّ ملف الكهرباء اساسي وكذلك اعتماد موازنة تقشفية.
وعن زيارة ماكرون لبنان، أوضح أنها ستتم في الفصل الثاني من عام 2019.
خطة الكهرباء
اذا كان معدّو الخطة قد اعتبروا إقرارها «لحظة تاريخية» زُفّت فيها البشرى للبنانيين، بأنّ زمن العتمة قد ولّى وانّ الانطلاقة بدأت نحو النور، فإنّ التجربة المريرة مع القطاع الكهربائي توجب انتظار سريانها لأنّ العبرة تبقى في التنفيذ وسرعته ومصداقيته وشفافيته، وفي انطباقه الكلي مع الاصول القانونية والادارية بعيداً عن منطق المحاصصة والصفقات والمحسوبيات.
«الكتائب»: لا للخطة
وعارض نواب كتلة الكتائب خطة الكهرباء. وقال مصدر كتائبي مسؤول: «انّ إقرارها بالطريقة التي تمّت فيها في مجلس النواب يخالف قانون إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، وقانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، وكل القوانين المتعلقة بالمحاسبة العمومية وأصول المناقصات».
واعتبر المصدر الكتائبي انّ ما حصل في مجلس النواب اليوم رسالة سلبية الى مؤتمر سيدر، فحواها محاولة لبنان التفلّت من الضوابط التي اشترطها المؤتمر لمساعدة لبنان.
فزّاعة التخفيض
وإذا كان المتوخّى من خطة النهوض الكهربائي هو الوصول الى تحقيق وَفر في الخزينة، أقله مليار دولار في السنة المقبلة وكذلك في السنة التي تليها، فإنها على اهميتها تسدّ واحدة من الثغرات المسببة للعجز، ويأتي بالتوازي مع «معركة التخفيض» المحتدمة على خَطي الحكومة والقطاعات الموضوعة على منصة التخفيض، وتحديداً بالنسبة الى موظفي القطاع العام المدنيين او العسكريين، والمقرونة بتساؤلات حول موجبات تخفيض رواتبهم الذي تحوّل الى «فزّاعة» للموظفين، حرّكت اعتراضات شديدة من قبلهم تمهّد لتحركات أكبر في الشارع، وفق ما تؤكده الهيئات النقابية والعمالية التي أعلنت الاستنفار العام لمواجهة هذا الامر.
يبدو التوجّه جدياً لدى أهل الحكومة نحو التخفيض، الّا انّ هؤلاء لا يملكون خطة واضحة في هذا الاتجاه، وهو ما عكسته النقاشات التي شهدتها جلسة مجلس النواب أمس، بين الحكومة والنواب، والتي عكست جهلاً واضحاً لِما يجري تحضيره في شأن التخفيضات، في مقابل إرباك حكومي واضح، يقول من جهة بضرورة التخفيض لا بل بحتميته.
وهو ما أشار اليه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي وجّه تحذيراً صريحاً بأنه «في حال لم نتخذ قرارات تقشفية حقيقية فقد نصل إلى كارثة حقيقية خلال سنة. يجب التكلم بصدق مع الناس بعيداً من المزايدات، والمطلوب منّا كحكومة موازنة أكثر تقشفية بتاريخ لبنان لأنّ وضعنا المالي لا يسمح لنا بزيادة الإنفاق التي حصلت فيها مشكلات. لذلك، يجب ان نكون صادقين مع المواطنين ومع العسكريين، فإذا بقينا على هذا النمط سنصل الى كارثة.
الهيئات الاقتصادية
وفيما طمأنت مستويات سياسية عبر «الجمهورية» بأن التخفيض لن يطال الفئات الفقيرة والمتوسطة، قالت مصادر الهيئات الاقتصادية المعترضة أصلاً على سلسلة الرتب والرواتب لـ«الجمهورية»: التخفيض المطروح في الرواتب، أيّاً كانت نسبته، هو خطوة جيدة لكنها غير كافية، لكنّ المطلوب هو إعادة نظر جذرية في السلسلة التي كانت المساهم الاكبر في زيادة عجز الخزينة، وهذا ما حذّرنا منه في السابق».
إضراب واعتصام
الّا انّ موقف الهيئات النقابية مناقض تماماً، فالاجراءات التقشفية للحكومة محاصرة بنقمة شعبية ونقابية، وعبّرت عن نفسها في الاضراب الذي عَمّ مختلف المناطق، وشملت الادارات الرسمية والثانويات والمدارس وغيرها من المرافق العامة، رفضاً للمس برواتب الموظفين وحقوقهم التقاعدية وتأميناتهم الاجتماعية.
وقالت مصادر نقابية لـ«الجمهورية»: العجز سببه الحكومات المتعاقبة، والتي صرفت عشوائياً، وفتحت مزاريب الهدر والفساد على مصاريعها، ومحاولة مَد اليد الى رواتب الموظفين وحقوقهم المكتسبة تشكّل هروباً الى الامام، وتنصّلاً من المسؤولية، ويحاولون إلقاءها على الموظف عبر تصوير راتبه وكأنه أصل البلاء.
وقالت مصادر نيابية معارضة لـ«التخفيض» لـ«الجمهورية»: بعض الوزراء يقولون في العلن ما لا يقولونه داخل الغرف، وقد تبلّغنا من بعضهم انّ التخفيض إجراء أعمى لا يفرّق بين موظف وآخر، وايضاً هو اجراء شديد الخطورة. وقالوا صراحة انّ السّير به أمر صعب، ولأن ليس في إمكان احد أن يتحمله. الحكومة محشورة بـ«سيدر»، لكن هذا لا يعني ان تحشر الناس، الى حد انّ الامور قد تفلت من يدها في اي لحظة.
«المستقبل»
في المقابل، اكدت مصادر وزارية قريبة من رئيس الحكومة لـ«الجمهورية» أنّ خطوة التخفيض مدروسة، والتوجّه اليها، كما الى امور اصلاحية اخرى، أملته ضرورات كبرى، خصوصاً انّ وضع البلد بلغ مرحلة الانهيار. والرئيس الحريري كان واضحاً في تحذيره من انّ لبنان امام مخاطر كبرى ان لم تتخذ الاجراءات القاسية والمؤلمة وغير الشعبية في اسرع وقت، وهذا يوجب ان يتشارك الجميع في عملية إنقاذ البلد.
جولة مشاورات
ولكن في المقابل، تؤكد مصادر وزارية أخرى لـ«الجمهورية» انّ الموظف ليس المسؤول عن الازمة، بل هو ضحية لها. صحيح انّ الحكومة مضطرة لأن تلبّي متطلبات «سيدر»، الّا انّ ما يمكن ان يُجنى من سيدر قد يضيع في خطوة خطيرة، كاستهداف الموظفين، وهذا امر تمّت مناقشته بين الوزراء ومع رئيس الحكومة.
وكشفت المصادر عن جولة مشاورات ثانية بين الحريري وممثلي القوى السياسية، قد تُعقد بين العيدين، أي بعد عودة رئيس الحكومة من زيارة خارجية، لاستكمال البحث في الخطوات الاصلاحية، علماً انّ فرقاء أساسيين تحفّظوا على معظم الاقتراحات التي طرحها في الاجتماع الاول.
«الاشتراكي»
وقالت مصادر إشتراكية لـ«الجمهورية» انّ موضوع تخفيض العجز هدف لا بد من الوصول اليه، لكن لا بد من ان تكون الخطوات مدروسة لكي لا تأتي نتائجها عكسية.
وكانت لافتة في هذا السياق تغريدة لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، قال فيها: واجب على المصارف المساهمة في خفض الدين العام، كما واجب على الدولة مصارحة الرأي العام في أهمية اعادة النظر ببعض التعويضات في القطاع العسكري وفي القطاع المدني التي لا تنسجم والمنطق.
«حزب الله»
وأكدت مصادر «حزب الله» لـ«الجمهورية» ان لا اعتراض ابداً على تخفيض العجز، وتحقيق وَفر في الخزينة. لكن يجب الانتباه الى انّ هناك اموراً كثيرة يمكن اللجوء اليها غير المَسّ بسلسلة الرواتب والاجور، وموقفنا واضح بأننا لا يمكن ان نقبل بأي إجراء يمس بالفقراء وذوي الدخول المحدود، أو بما تبقّى من الطبقة المتوسطة. هناك ابواب كثيرة لتحقيق الوفر، في الرواتب الخيالية، ضبط الانفاق، وقف المصاريف غير المجدية، وقف الانفاق الكبير على نثريات وأسفار، وتطبيق القوانين، ووقف التوظيف نهائياً. للوصول الى خفض العجز يجب الانطلاق من المكان الصح، وليس من اي مكان آخر.
«القوات»
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: «سبق ودقّينا ناقوس الخطر، وما زلنا نؤكد على العلاجات الفورية للأزمة التي بلغت مرحلة الخطر الشديد».
وذكّرت المصادر بما قاله الدكتور سمير جعجع امام الاعلاميين، بأنّ من الضروري التعجيل بالموازنة، وانه اذا كانت هناك خطوات إصلاحية لا تمس موظفي القطاع العام فإنّ «القوات» تؤيّد هذه الخطوات، ولكن اذا وقع الخيار بين فرض ضرائب على الفوائد المصرفية او خفض رواتب الموظفين فإنّ «القوات» مع الخيار الاول وليس الخيار الثاني.
كتلة التحرير
بدورها، رفضت مصادر كتلة التنمية والتحرير تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة عبء تخفيض العجز في الخزينة، من خلال المس برواتبهم، وقالت لـ«الجمهورية»: أي خطوة في هذا الاتجاه يجب ان تكون مدروسة، والرئيس نبيه بري حدّد مجموعة أبواب يمكن الولوج منها فوراً لتحقيق وَفر في الخزينة، ومنها الحالات النافرة جداً والمتمثلة بأصحاب الرواتب الخيالية، وبمَن يتقاضون راتبين او ثلاثة من الدولة، إضافة الى الانفاق غير المبرر، والتوظيف الذي يجب وقفه نهائياً. وتوقيف كل إنفاق لا جدوى منه في كل المؤسسات والوزارات والسلطات.
يُشار هنا الى انّ وزير المال علي حسن خليل، قد أوضح في المجلس أمس «انّ تخفيض الرواتب جزء من مشروع الموازنة المقدّم من قبلنا، وبالنسبة لنا لم يُبتّ اي أمر على الاطلاق يتعلّق بالمسّ بالرواتب».
باسيل
وقال وزير الخارجية جبران باسيل: قلتُ ما قلته عن موضوع الرواتب، وهذا الامر يتطلّب صراحة وجرأة ومسؤولية وطنية. لدينا موظفون في الدولة وكذلك موظفون في القطاع الخاص يجب ان نفكّر بهم أيضاً. بعض الاعلام والسياسيين اجتزأ ما قلته في موضوع رواتب القطاع العام، وهو يشمل خمسة أمور: حجم الدولة الذي يشكل جزءاً يسيراً من الموضوع، وخدمة الدين، والتهرّب الضريبي والجمركي، والكهرباء والضرائب التي يمكن أن تُستوفى من أصحاب الجيوب الكبيرة».