ما زالت التعيينات الإدارية عالقة، ولم تنجح الاتصالات في «الإفراج» عنها، بسبب إصرار وزير الخارجية جبران باسيل، على أن تكون الحصة المسيحية فيها من نصيب «التيار الوطني الحر»، من دون إشراك الآخرين، وهذا ما يعارضه حلفاؤه قبل خصومه في الحكومة الذين يرفضون أن تُخلى له الساحة في التعيينات ما يشكّل خللاً في التوازن، إضافة إلى أنه يسعى لأن يكون شريكاً للسنة والدروز في المناصب المخصصة لهم، من دون أن يتجرّأ على المس بالحصة الشيعية ويخوض معركة سياسية خاسرة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر وزارية أن الوزير باسيل يتعامل مع ملف التعيينات الإدارية من زاوية أن تياره السياسي هو المنتصر، وعلى الآخرين في الساحة المسيحية التسليم بذلك. ولفتت المصادر الوزارية إلى أن باسيل يركّز على التقليل من حصّة السنة في التعيينات، وهو يحاول تقسيم الإدارات التي يقف على رأسها مديرون من السنة، لعله ينجح في تقليص حصتهم، وهذا ما يصر عليه في شركة «طيران الشرق الأوسط» ومرفأ بيروت.
وكشفت أن باسيل يقف وراء الحملة التي يشنّها البعض من حين لآخر على رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة «طيران الشرق الأوسط» محمد الحوت، لعله ينجح في تجيير منصب المدير العام في الشركة لمصلحة شخص ينتمي إلى تياره السياسي، وقالت إن الحملة التي قادها أخيراً وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تأتي في سياق الضغط لتقسيم إدارة هذه الشركة على خلفية الفصل بين هذين المنصبين.
وقالت المصادر الوزارية إن ما يتعرض له الحوت من قبل «التيار الوطني» ينسحب أيضاً على إدارة مرفأ بيروت بشخص رئيس مجلس إدارته والمدير العام حسن قريطم، الذي تقدّم باستقالته منذ أكثر من عامين، وتحديداً خلال تولي الرئيس تمام سلام رئاسة الحكومة. ورأت هذه المصادر أن طلبات باسيل تلقى رفضاً من رئيس الحكومة سعد الحريري، وقالت إن وزير الخارجية يريد أن يمدّ يده إلى حصة الدروز من خلال دعمه طلب حليفه النائب طلال أرسلان بأن يكون أحد نواب حاكم مصرف لبنان من حصته في مقابل إصرار رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على أن يُسند هذا المنصب إلى المصرفي فادي فليحان خلفاً للحالي سعد العنداري.
واعتبرت أن باسيل يحرّض أرسلان لعله يستحضر ضغطاً جديداً على سلامة يُضاف إلى الضغط الذي يمارسه الوزير بطيش (التيار الوطني)، بغية إيصال مرشحه من الأرمن لمنصب أحد نواب الحاكم، مع أنه تراجع أخيراً عن طلبه لتجنُّب الدخول في صدام مع حليفه حزب «الطاشناق». لكن تراجعه عن مطلبه هذا يدفعه حالياً للتعويض من خلال تسمية مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان من قبل باسيل، الذي يصر أيضاً على إسناد منصبين أساسيين في المصرف لشخصين من تياره السياسي، وهذا ما يلقى معارضة من قوى مسيحية؛ بعضها مدعومة من حركة «أمل» و«حزب الله».
ومع أن باسيل لا يتجرّأ على مشاركة الشيعة في حصتهم في التعيينات الإدارية، ولا المس بصلاحيات المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، فإنه يضع الآن نصب عينيه المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في محاولة للإنابة عنها في اختيار الضابط من المسيحيين في المراكز الشاغرة.
لكن باسيل لم ينجح حتى الساعة في مهمته، كما أخفق من خلال وزراء ينتمون إلى تياره السياسي في النيل من دور «شعبة المعلومات» التابعة لقوى الأمن الداخلي في حملتها لمكافحة الفساد، بعد أن حققت نجاحات مقرونة بالأدلة والوثائق الدامغة باعتراف من يقف على رأس القضاء اللبناني.
وكان وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، قد حاول في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، وفي حضور الرئيس الحريري، تسليط حملاته على «شعبة المعلومات»، ومن خلالها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، لكنه لم يربح المعركة، خصوصاً في مطالبته بأن تُنقل ملفات التحقيقات في مكافحة الفساد من «المعلومات» إلى جهاز أمن الدولة، بذريعة أنه الجهة المختصّة في ملاحقة الفاسدين، وقوبل طلبه بنصوص قانونية ربما فوجئ بها مع أنه قاضٍ سابق.
لذلك يخطط باسيل من خلال محاولته احتكار الحصة المسيحية في التعيينات لإلغاء الآخرين في الشارع المسيحي، وهذا ما سيقوده حتماً للدخول في اشتباك سياسي مع «القوات اللبنانية» وتيار «المردة» وآخرين. فباسيل، كما يراهن، لن يكون طليق اليد في التعيينات بالنيابة عن المسيحيين الآخرين، وهذا ما واجهه عندما حاول أن ينتزع الحصة المسيحية في مرفأ بيروت والمديرية العامة للطيران المدني.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن وزير الأشغال يوسف فنيانوس (المردة)، الذي تعود لوزارته الوصاية على هذين المرفقين، كان أول من تصدّى لباسيل في حكومة الحريري السابقة. لكن باسيل لم يتراجع، وكان يراهن على ألا تُسند «الأشغال» في الحكومة الحالية لوزير من «المردة»، وبذلك يتمكن من فرض ما يريد، لكنه أصيب بصدمة بعودة فنيانوس على رأس هذه الوزارة. كما أن فنيانوس يرفض أن ينوب عنه أي وزير في إعداد لائحة بالمرشحين لتولي مناصب تتبع وزارة الأشغال، وبالتالي لن يفرّط بصلاحيته في هذا الخصوص.
وعليه فإن إصدار دفعة جديدة من التعيينات الإدارية ما زالت عالقة أمام إصرار باسيل على مصادرة حصة المسيحيين لمصلحة تياره السياسي، لأن إمساكه بالمفاصل الأساسية في الإدارة، كما يقول أحد الوزراء لـ«الشرق الأوسط»، يعزّز موقعه الذي يتيح له التقدُّم على منافسيه على رئاسة الجمهورية، رغم أنه من السابق لأوانه فتح هذا الملف.
لذلك فإن باسيل، حسب هذا الوزير، لم ينجح في كسب حلفاء جدد، طالما أنه يفرّط بحلفائه الحاليين، وهذه هي مشكلته، وإلا ما هو السر في اهتزاز علاقته بـ«تيار المستقبل»؟