يلتئم المجلس النيابي في جلسة عادية اليوم على وقع تصعيد موظفي القطاع العام لهجتهم ملوحين بالنزول إلى الشارع في حال قررت الحكومة تخفيض رواتبهم، وتنفيذ هيئة التنسيق اعتصاماً واضراباً في ساحة رياض الصلح، وقطع العسكريين المتقاعدين عدداً من الطرق رفضاً للمس بلقمة عيشهم، كما صرّح وزير الخارجية جبران باسيل قبل أيام.
وعشية انعقاد هذه الجلسة، سارع وزير المال من موقعه المسؤول عن كل ايرادات الدولة، والتدابير الممكن اتخاذها لخفض العجز في الموازنة إلى التأكيد امام لجنة الإدارة والعدل ان الأرقام المطروحة في ما يتعلق بتخفيض 15 بالمئة من رواتب القطاع العام غير صحيحة وغير دقيقة، وهناك عدّة احتمالات لكثير من الخطوات ولكن ليس بالطريقة التي تطرح فيها الأمور، الا ان ما صدر عن وزير المالية في ما يتعلق بمسألة الاتجاه لتخفيض رواتب موظفي القطاع العام لم يكن مقنعاً، ما أحدث بلبلة بين النواب الأعضاء في لجنة الإدارة والعدل عبّر عنه رئيسها النائب جورج عدوان بكلام يحمل تأويلات وهو انه لا يُمكن التكلم عن تخفيض رواتب موظفي القطاع العام قبل معالجة مشكلة التهرب الضريبي والشركات الكبيرة التي لا تدفع، وأن نوقف التهريب من الجمارك وغيره من أماكن الهدر في أي وزارة أو جمعية كان، فهناك أولويات لا بدّ ان نبدأ بها قبل ان نصل للكلام عن خفض الرواتب على حدّ تعبير رئيس لجنة الإدارة والعدل.
يفهم من كلام وزير المالية ورد رئيس لجنة الادارة والعدل، ان هناك توجها رسميا عند الحكومة لخفض رواتب موظفي القطاع العام ضمن سياستها الرامية إلى خفض العجز في الموازنة استجابة لمطلب الهيئات والصناديق الدولية التي درست الأوضاع في لبنان، وفي هذا السياق أوضح أحد المسؤولين في التيار الوطني الحر ان الاجراء الذي تحدث عنه الوزير باسيل يأتي في سياق عدد من الإجراءات أهمها مكافحة التهرب الضريبي إلى معالجة أزمة الكهرباء، إضافة إلى تخفيض الرواتب العالية وهو ما لا يضر أكثر من 10 بالمئة من الموظفين، مشدداً على ان العمل جار على أكثر من جبهة، لأنه على حدّ زعمه، يجب ان نبلغ مرحلة ينطلق فيها التقشف الفعلي.
ان المقارنة بين كلام وزير المالية امام لجنة الإدارة والعدل وبين كلام الوزير باسيل الذي لا يزال متمسكاً به، يشي بأن الاتجاه الرسمي لمد يد الدولة على جيوب المواطنين جدي، وليس عملية اختبار كما قيل مؤخراً، ما دامت الدولة عاجزة عن مد يدها إلى جيوب أرباب السلطة الكفيلة وحدها، في حال حصلت، بسد العجز العام، أو تخفيضه بالنسبة التي تتطلب من الدولة اللبنانية اتخاذها ليصبح المجتمع الدولي مطمئناً إلى ان الهبات والمساعدات والقروض التي يقدمها للدولة اللبنانية، توضع في اطارها الصحيح ولا تذهب هدراً، كما هو الحاصل في لبنان والذي أدى إلى وضع لبنان على حافة الإفلاس شأنه شأن اليونان التي مرّت في نفس الوضع الذي يمر به لبنان، وبدلاً من ان تقدّم الحكومة على اتخاذ إجراءات موجعة في وجه أرباب السلطة الذين يتحملون المسؤولية الكاملة عن الحالة المزرية التي وصل إليها لبنان، تحاول الالتفاف على ذلك بإفقار اللبنانيين الذين يشكون اصلاً من الشح الحاصل نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية القائمة وصولاً إلى اقتناص لقمة عيشهم، الأمر الذي من شأنه ان يحدث ثورة على المستوى العام، وليست حركة الاحتجاجات التي تبدأ اليوم بقطع الطرقات ومحاصرة مجلس النواب سوى البداية، وعلى مجلس النواب المنتخب من هذا الشعب، ويعبر عن حقوقه وطموحاته ان يتحمل مسؤولياته تجاه من انتدبوه لتمثيلهم بوضع حدّ للمسؤولين واجبارهم على العودة إلى الأصول، والتي إذا ما اعتمدت فهي كفيلة وحدها بإنقاذ هذا البلد من الإفلاس.