في الأيام الماضية، ارتفعت وتيرة الحديث عن الإجراءات المنتظرة، التي وصفها البعض بـ "الموجعة" والبعض الآخر بـ "غير الشعبيّة"، إلا أن عنوانها الواضح هو المسّ برواتب موظفي القطاع العام عبر تخفيضها، أو الذهاب إلى خفض التقديمات الإجتماعيّة التي يحصل عليها هؤلاء، لا سيّما في المؤسسة العسكريّة والمؤسسات الأمنيّة، في مؤشّر إلى أنّ التحركات في الشارع، التي سبقت إقرار السلسلة، ستعود من جديد وربما بشكل أكبر.
قد يكون أكثر هذه التصريحات صفاقةً واستفزازاً هو ما أدلى به الوزير جبران باسيل، الوزير الناطق بكل الملفات من النفط الى الكهرباء واللاجئين والإنتخابات وعودة المهجرين والمصالحة في الجبل وسواها، ليقدّم نفسه مجدداً فارساً يتعملق لحلّ قضية الموازنة،مكرراً النموذج الفاشل عينه والسقطات عينها والعشوائية عينها التي قدّمها في البواخر وسلعاتا والمناقصات واللاجئين وفي المواقف الإستفزازية في دير القمر ورشميا، وكأنّ الأزمة المالية ستنتهي لمجرد إطلاق رأي سطحي من هنا أو من هناك.
إقرأ ايضًا: لبنان بين سندان الداخل ومطرقة الخارج
وما كادت هذه التصريحات تلّوح بالمس برواتب موظفي العسكريين وموظفي القطاع العام حتى انتشر القلق بين الناس خوفاً من المصير السيء الذي سيكون بانتظار الشعب اللبناني اذا ما تم اتخاذ هكذا قرارات.
فالطبقة الوسطى المفقودة تشكل شريحة الموظفين جزءًا أساسيًا منها، وأي مس بأوضاعهم الاجتماعية فهذا يعني أن احتمال تعزيز الطبقة الوسطى من جديد سيكون معدوماً لا بل انحدارها نحو الطبقة الفقيرة، إلا ان أولى التحركات الرافضة جاءت من العسكريين المتقاعدين حيث قاموا بقطع العديد من الطرقات مطلقين صرخة رافضة لأي مس بحقوقهم المكتسبة.
وبعد العسكريين المتقاعدين تتجه رابطة موظفي الدولة الى إضراب تحذيري لاقتها فيه هيئة التنسيق النقابية وروابط عدة، رفضا لأي حسم قد يطال رواتب موظفي القطاع العام أو التعويضات العائلية والمدرسية.
إقرأ أيضًا: حتى لا تتكرر المآساة
الموقف الرسمي حتى الآن لا يزال ضبابيا باستثناء ما صدر عن رئيس الحكومة سعد الحريري بأن الموازنة ستكون تقشفية وقاسية من أجل انقاذ البلد، إلا أن أي تفاصيل رسمية عن موضوع الحسم من رواتب الموظفين لم تصدر بعد.
فهل ستضع الحكومة نفسها بمواجهة أمام الناس والشارع، أم أنها ستتراجع وتبحث عن أبواب أخرى لفرض سياستها التقشفية عليها؟ أم أن كلّ الثرثرة عن الإصلاح والفساد هي ملهاة حقيقيّة لصرف نظر اللبنانيّين عن الواقع الاقتصادي المخيف الذي يوشك أن يودي بالبلاد، ولن تجد الحكومة في الأيام المقبلة ما تستطيع أن تشغل به الشعب اللبناني عن الواقع المأساوي الذي بلغته البلاد، هذه دولة مفلسة أخلاقياً وسياسياً منذ زمن بعيد، حان الوقت لتصبح مفلسة إقتصادياً، هذا البناء اللبناني الفاسد لن تصل البلاد إلى أي إصلاح إلا إذا هدمت هذا البناء الموشك على الانهيار وإعادة بنائه من جديد ومن أساساته.