المشهد في ساحة النجمة اليوم، قبل 48 ساعة من يوم الجمعة العظيمة: جلسة تشريعية، بجدول أعمال يُحاكي «سيدر» تشريعياً، النواب الممثلون للكتل جميعهم على المسرح في الداخل، وفي الخارج، فاعلون من نوع آخر، حركتهم أحاديث الحلول للعجز في الموازنة على حساب رواتبهم، وتعبهم، ولقمة عيش عائلاتهم واطفالهم.. التي هي خط أحمر.. هم روابط الموظفين في القطاع العام، اداريون، ومعلمون ومدرسون وأساتذة ثانويون، وأساتذة الجامعة اللبنانية، الذين استفرد بهم التشريع، وأعادهم إلى آخر درجات السلم الوظيفي، بعد سلسلة الرتب والرواتب، وضرب قاعدة المساواة مع القضاة.. على مستوى التدرج والراتب.. وذلك بعد يوم حافل، بتحرك غير مسبوق لقدامى ضباط الجيش، والعسكريين المتقاعدين، الذين سجلوا أوّل تحرك من نوعه، فكانوا السباقين إلى الشارع، يقطعون الطرقات لبعض الوقت، ويحرقون الاطارات، رافعين الصوت تحذيراً من مغبة الاقدام على اجراءات ترفع من حدة التصعيد، إلى ما لا تحمد عقباه.. هذه الحركة التي تزامنت مع زيارة لقائد الجيش العماد جوزاف عون الى عين التينة، حيث جرى البحث مع الرئيس نبيه برّي في المخارج، ومن بينها التنسيق بين وزارة المال وقيادة الجيش اللبناني..
توقعات بتصاعد الاحتجاجات
وفيما شلت الوقفات الاحتجاجية التي نفذها العسكريون المتقاعدون، ولو لمدة قصيرة، معظم الطرقات الدولية، وتلك المؤدية إلى العاصمة بيروت، وتستعد هيئة التنسيق النقابية ومعها أساتذة الجامعة اللبنانية، لاضراب عام اليوم واعتصام حاشد في ساحة رياض الصلح، رفضاً للمس بحقوق الموظفين وسلسلة الرتب والرواتب، بالتزامن مع الجلسة النيابية المطروح امامها بت مصير خطة الكهرباء، بقي الغموض يلف الإجراءات التي ستتبعها الحكومة لخفض العجز في موازنة العام 2019، مع انها أصبحت لدى الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء منذ مُـدّة، بسبب قرار الرئيس سعد الحريري عدم طرحها على مجلس الوزراء قبل تأمين غطاء سياسي كامل للتخفيضات القاسية والموجعة والقرارات الصعبة التي تحدث عنها، وزاد من الغموض تكتم الأطراف السياسية المعنية بالتوافق المالي على الاقتراحات التي تطرحها والإجراءات التي يُمكن ان تتخذ، أو ان يكون قد حصل توافق عليها، علماً ان كل الدلائل تُشير إلى توقعات بتصاعد وتيرة الاحتجاجات الشعبية في الشارع، في حال تأكد ان تقشف الموازنة قد يطال رواتب الموظفين، بحسب ما كان أشار وزير الخارجية جبران باسيل، قبل سفره إلى موسكو.
لا مجلس وزراء غداً
وذكرت مصادر رسمية ان مجلس الوزراء لازال ينتظر التوافق على إجراءات التخفيضات قبل عرض الموازنة عليه، علما ان لا جلسة للمجلس غداً الخميس، لا في قصر بعبدا ولا في السراي الحكومي، وتردد ان السبب ربما يعود لمصادفة الخميس بيوم خميس الأسرار قبل الجمعة العظيمة لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، أو بسبب سفر الرئيس الحريري إلى الخارج للقاء عائلته والاحتفال معها بعيد ميلاده.
وأفادت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان الوزراء لم يتبلغوا أي موعد محتمل لجلسة لمجلس الوزراء تكون مخصصة للشروع بدراسة مشروع الموازنة، مشيرة إلى ان جدول أعمال لجلسة تعقد غداً الخميس في السراي وزّع أمس على الوزراء، ثم تمّ سحبه لجدول يتضمن بنداً وحيداً وهو دراسة خطة شركة ماكينزي، ومن ثم أعلن ان لا جلسة للحكومة هذا الأسبوع.
التدبير رقم 3
الى ذلك اوضح وزير الاقتصاد والتجارة متصور بطيش لـ«اللواء» ان المهم اقرار خطة اصلاحية متكاملة في الموازنة قوامها وقف الهدر واعتماد الشفافية من خلال سلسلة اجراءات تتصل بمعالجة التهرب الضريبي والقروض المدعومة والضريبة على القيمة المضافة وتهرب الشركات منها، فضلا عن معالجة التهرب في رسوم الجمارك والمرفأ والهدر في التعويضات المرتفعة لموظفي القطاع العام.
وقال الوزير بطيش انه تم فهم كلام الوزير باسيل عن التخفيضات بشكل غير صحيح مؤكدا انه قصد بذلك شريحة قليلة.
واضاف: لا نريد المس برواتب ذوي الدخل المحدود. وأشار الى ان المهم هو السير بهذا الاصلاح.
وردا على سؤال اوضح ان موضوع التدبير الرقم 3 في ماخص تعويضات العسكريين من ضمن الافكار المطروحة للنقاش ولم يتم البت به بعد.
وسجلت في هذا السياق، زيارة لافتة قام بها قائد الجيش العماد جوزاف عون للرئيس نبيه برّي في عين التينة يرافقه أعضاء المجلس العسكري الجديد، حيث تردّد ان الحديث تناول هذا التدبير إلى جانب شؤون المؤسسة العسكرية، لكن العماد عون نفى أي علاقة لزيارته عين التينة بمقترحات تخفيضية على التقديمات للعسكريين أو للتدبير رقم 3، مؤكداً ان الزيارة هي فقط للشكر على تعيين أعضاء المجلس العسكري.
غير ان مصادر مطلعة، كشفت ان موضوع تعويضات العسكريين كان في صلب المحادثات، حيث اتفق على ان تجتمع لجنة عسكرية من كبار الضباط مع وزير المال علي حسن خليل للتفاهم معه على الخطوات التي يمكن اللجوء إليها لكي تكون مساهمات في تخفيف الأعباء عن الخزينة اللبنانية، ومن هذه الخطوات التي تمّ التطرق إليها، إعادة هيكلة كادر الضباط والاكتفاء بالحاجة لدى قيادة الجيش، وعدم تخفيض الرواتب بالجملة وعدم المس برتب معينة تشكّل نوعاً من طبقة وسطى، ودفع الرواتب التصاعدية والتعويضات من دون تجزئتها من خلال سندات خزينة.
وذكرت مصادر كتلة «التنمية والتحرير» النيابية ان الرئيس بري يستعجل عرض الموازنة للنقاش على مجلس الوزراء ومن ثم المجلس النيابي، ولو كانت ارقامها الاولية مرتفعة فلا مبرر لتأخيرها اكثر، اذ يمكن الاتفاق على نسبة التخفيض ولو بحدود عشرة الى 15 في المائة، مشيرة الى ابواب كثيرة يمكن من خلالها التخفيض من دون المس بحقوق ومكتسبات الموظفين وهو امر لن يمر.
وقالت المصادر: ان ابواب التخفيض معروفة وجرى تداولها لوقف الهدر، وثمة امور لم يتطرق اليها احد مثل مبالغ حصر الارث وانتقال الملكيات المجمدة وقيمتها بالمليارات بسبب ارتفاع الرسوم فلو جرى خفض الرسوم سيتحرك هذا الامر.
واشارت المصادر الى ان المس بحقوق الموظفين سيجر تداعيات سلبية وقالت: ان قطاعا واحدا هو قطاع العسكريين المتقاعدين شل البلد امس ولو لمدة بسيطة فكيف اذا تحركت كل القطاعات واعلنت التحرك المفتوح ماذا يحصل؟
توضيحات وزير المال
وكات لجنة الإدارة والعدل النيابية قد استمعت أمس إلى شرح للواقع المالي من وزير المال علي حسن خليل، باعتبار انه المسؤول عن كل ايرادات الدولة، وللاطلاع منه على حقيقة الوضع المالي والتدابير الممكن اتخاذها.
وسئل الوزير خليل في اللجنة عن لائحته لتخفيض الانفاق، ونقل عنه رئيس اللجنة جورج عدوان ان ما يطرح عن تخفيض 15 في المائة من رواتب القطاع العام وكل الأرقام والمقاربات التي يتم الحديث عنها غير صحيحة وغير دقيقة، مشيراً إلى ان هناك احتمالات عدّة لكثير من الخطوات ولكن ليس بالطريقة التي تطرح فيها الأمور.
وفي تقدير عدوان انه لا يمكن الكلام عن تخفيض بالرواتب قبل معالجة مشكلة التهرب الضريبي والشركات الكبيرة التي لا تدفع، وان نوقف التهريب في الجمارك وغيره من أماكن الهدر في أي وزارة أو جمعية.
وكشفت معلومات لـ«اللواء» ان الوزير خليل يتابع اجتماعات دورية متواصلة ومطولة مع أركان الوزارة لمراجعة أرقام الموازنة في ضوء المشاورات التي يجريها الرئيس الحريري مع ممثلي الكتل النيابية والأحزاب السياسية.
حزب الله
وبحسب المعلومات، فإن الاجتماع المالي الموسع الذي انعقد في «بيت الوسط» ليل الأحد الماضي، لم ينته إلى اتفاق حاسم على الإجراءات التي يفترض اتخذاها في أرقام الموازنة، وان المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، طلب مراجعة قيادته، وعليه لم يُحدّد موعد جديد للاجتماع الذي يرجح ان يرحل إلى الأسبوع المقبل.
لكن نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم أعلن خلال رعايته الحفل السنوي للتعبئة التربوية في الحزب «أننا سنعمل على تصويب الانفاق في الموازنة من خلال تخفيض المساهمات للمؤسسات والانفاق على الإعلانات والإعلام ودعم الحتفالات، فضلاً عن المساعدات لبعض الجمعيات، لافتاً إلى انه سيكون للحزب موقف من الإصلاحات المالية والإدارية، على قاعدة ان المسؤولية الأكبر تقع على عاتق من استفاد أكثر، وعلى عاتق أصحاب الرواتب المرتفعة والمصارف، فهؤلاء يجب ان يتحملوا المسؤولية من أجل ان يكون هناك عدالة وتوازن».
اما الوزير خليل، فقد لوحظ انه يرفض الكشف عن مقترحاته التخفيضية للموازنة، جازماً بأن كل ما يتم تسريبه عنها غير صحيح على الإطلاق.
ويقول مستغرباً : حقيقة لا اعرف لماذ الاضرابات والاعتصامات طالما لم نعلن ما هي المقترحات التخفيضية ؟ كما يستغرب التداول بالحسم من رواتب ومخصصات الرؤساء والوزراء والنواب، وكأنها تعالج العجز، فيما هي في الواقع لا تسدّ الا مبلغاً ضئيلاً لا يقاس مع عجز يفوق الـ 11 ألف مليار ليرة.
وعلم أن وزير المال وضع سيناريوهات عدّة تحتاج اتفاقاً بين الكتل على احداها، لخفّض العجز من نحو 11 الى نحو 9 في المئة، ومقترحاته لا تمسّ بالرواتب المتوسطة والصغيرة، وتشمل وقف الاعفاءات الجمركية باستثناء ما تنص عليه المعاهدات الدولية والمقر بقوانين، وتخفيض نفقات بنسب معينة لجمعيات واندية، ووقف التوظيف لفترة محددة حتى ولو بقرارات لمجلس الوزراء، اضافة الى وضع رسم على لوحات السيارات المميزة.
وأكدت مصادر رسمية، أن لا مسّ بسلسلة الرتب والرواتب، والتخفيض لن يطال اي قانون، بل قد يقتصر على مراسيم وقرارات حكومية، وتشمل تقديمات وبدلات ساعات عمل اضافية واعمال لجان، وجمعيات، وبدلات سفر، وما شابه.
جعجع يعارض التحركات
وفي لقاء مع عدد من الإعلاميين في معراب، وصف رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الوضع الاقتصادي بالصعب جداً، مشيراً إلى ان هذا الواقع لا يمكن اخفاؤه على أحد، معتبراً ان معالجته تحتاج إلى تكاتف جدي والتصرف بمسؤولية.
ولفت جعجع إلى ان خلاص البلد أو عدم خلاصه مرتبطان بمشروع الموازنة، مشدداً على ان محاربة الفساد هو تحصيل حاصل، معلناً معارضته للتحركات الشعبية في الشارع في الوقت الذي لم يتم بعد اتخاذ أي قرار، مشيراً إلى ان كل ما في الأمر ان هناك أفكاراً وطروحات لا تزال قيد النقاش، موضحاً انه يتفهم وضع النّاس، لكنه يعتبر ان التحركات في الشارع تزيد الأمور تأزماً.
وأكد ان البلد قد يتجه إلى الخراب، ولذلك فإن الوضع يحتاج إلى معالجة ضرورية وفورية خلال أيام أو أسابيع قليلة حتى لا نقع في أزمة أكبر، خصوصاً واننا في بداية الهاوية.
وقال انه ما بين خيار تخفيض رواتب الموظفين وبين اتخاذ إجراءات تطال المصارف تتعلق بالفوائد، فإنه مع الخيار الثاني، الا انه أوضح انه حتى الآن ليس هناك من أي قرار اتخذ على هذا الصعيد، مشيراً إلى ان لبنان لا يمكنه الاستفادة من أموال «سيدر» إذا لم تطبق الحكومة الإصلاحات بشكل جيد، معتبرا خطوة إقرار خطوة الكهرباء جيدة، لكنها ليست كافية لوحدة، معتبرا بأن الموازنة هي الأساس.
ولفت إلى ان المجتمع الدولي يثق بلبنان، لكنه لا يثق دائماً بطبقته السياسية، معتبرا ان كل الإصلاحات واتخاذ القرارات تحتاج إلى توافق سياسي»
قطع طرقات واضراب
وكان العسكريون المتقاعدون من الأجهزة الأمنية نفذوا أمس وقفات احتجاجية في عدد من المناطق، رفضا للمس برواتب واقتطاع بعض المبالغ منها، وقطع هؤلاء عددا من الطرقات الرئيسية عند اوتوستراد الناعمة، وعاليه، وضهر البيدر وعند مفرق قب الياس وفي بلدة الغازية على اتوستراد صيدا- صور، وعند مستديرة عبدالحميد كرامي في طرابلس، من خلال إحراق الاطارات ما تسبب بزحمة سير خانقة في كل هذه الطرقات، الا انهم اعادوا فتح السير بعد مُـدّة قصيرة، محذرين من المس بالمعاشات التقاعدية أو بالتعويضات المتممة لها في الخدمة الفعلية وفي التقاعد، ووقف تجزئة المعاشات وصرف كل البضائع المقتطعة منها منذ تاريخ 21 آب 2017، واحتساب التعويضات للذين تقاعدوا بعد تاريخ 1 شباط 2012 باضافة إلى سلفة غلاء المعيشة المعطاة بموجب القانون 63/2012.
وينفذ اليوم أساتذة التعليم الثانوي والاساسي الرسمي والمتقاعدون والموظفون وأساتذة الجامعة اللبنانية اضرابا مترافقا مع اعتصام في ساحة رياض الصلح، تحت شعار رفض المس بسلسلة الرتب والرواتب والتقديمات الاجتماعية.
عون في قصر العدل
وسط هذه الأجواء، أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «أن القضاء هو الحجر الأساس لقيام دولة الحق والقانون»، وقال: «لا دولة بدون سلطة قضائية مستقلة نظيفة تنشد العدالة والحقيقة».
وشدد خلال رعايته الاحتفال بمئوية نقابة المحامين الذي أقيم أمس، في قاعة «الخطى الضائعة» في قصر العدل، في حضور الرئيسين برّي والحريري «أن تطهير الجسم القضائي كان أولى أولويات حربنا على الفساد الذي نخر كل مؤسساتنا»، مشدداً على ان «القضاء لن يكون في عهدنا منظومات مرتهنة لأحد بل سلطة تمارس رسالتها بوحي من ضمير القاضي الحر والنزيه والمحايد فتتوافر معه ضمانات المتقاضين كاملة وغير منقوصة».