ذهل الكثيرون من أن الاحتجاجات في السودان والجزائر أسقطت رئيسين في وقت قياسي. فيما الحرب في سوريا التي استمرت ثماني سنوات لم تسقط بشار الأسد. بل خرج الرئيس السوري بطريقة مجازية منتصرا.
طبعا من الخطأ القول إن عبدالعزيز بوتفليقة قد تم إسقاطه. الصحيح القول إنه قد تم إسقاط ولايته الخامسة. أما البشير فقد تمت تنحيته من قبل الجيش الذي فشل حتى اللحظة في الإمساك بالأمور.
في الجزائر قرر الجيش أن يحل المسألة في إطار سيطرته. كان بوتفليقة حلا جاهزا لم يرق للشعب. هناك حلول أخرى.
في السودان فاجأ الجيش الشعب بحلوله الأخرى.
في الحالتين، الجزائرية والسودانية، سارت الأمور بطريقة تقليدية. فالشعب الذي أراد إسقاط الرئيس ومنعه من الترشح لولاية أخرى نجح في مسعاه عن طريق الجيش. وهي حيلة لجأ إليها الجيش من أجل الحفاظ على موقعه في السلطة. وهو موقع لا يقره الدستور. لم تفارق الاحتجاجات والحلول دائرة المبادرة الوطنية.
أما في حالة سوريا فإن الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في مارس 2011 لم يكن الهدف منها إسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه. ما حدث بعد ذلك فإنه فتح الباب لتدخلات إقليمية ودولية لا علاقة لها بأهداف الثورة السورية، بل إن تلك الثورة قد تمت مصادرتها بسبب تلك التدخلات.
لم تعد هناك ثورة في سوريا بعد أقل من ستة أشهر من اندلاعها.
الحرب التي شهدتها سوريا كانت سببا أساسيا لبقاء بشار الأسد في الحكم. ذلك لأن الرئيس السوري وجد مَن يحميه ويسند نظامه في مواجهة القوى الإقليمية والدولية التي سعت إلى إزاحته وإسقاط نظامه.
حين صارت سوريا ساحة لتصفيات عالمية خرج السوريون، نظاما ومعارضة، من الحلبة. وهو ما فرض معادلات جديدة صار من الصعب على أساسها أن يتم القبول بانتصار الجماعات الإرهابية التي استولت على الثورة. وهو ما يفسر امتناع الولايات المتحدة عن ضرب سوريا، بالرغم من صدور تصريحات أميركية كثيرة نصت على ذلك. ذلك لأن مثل ذلك النوع من التدخل من طرف الولايات المتحدة سيُحسب انتصارا لقوى الإرهاب.
من هذا المنطلق فإن بقاء بشار الأسد في السلطة لم يُحسب كونه انتصارا روسيا على الغرب الذي دعا غير مرة إلى إسقاط الرئيس السوري. فالفوضى التي عاشتها سوريا أثناء سنوات حربها جعلت من بقائه نوعا من الضمانة تحول دون افتضاح الدور الخطير الذي لعبته أجهزة المخابرات الغربية في التحريض على دعم الجماعات الإرهابية التي ساهمت في توسيع دائرة الحرب على الأراضي السورية.
لقد تحول الرئيس السوري إلى رقم صعب في المعادلة بالرغم من أنه لم يخطط لذلك ولم يحدث ذلك بناء على قوة نظامه الذاتية. فالبديل عنه وعن نظامه أن تذهب سوريا إلى فوضى لم تعد المنطقة قادرة على أن تحل تبعاتها وتداعياتها وما يمكن أن ينتج عنها.
لم يكن بشار الأسد هو المهم. كانت سوريا هناك تقف باعتبارها السد الذي لو كسرته قوى الإرهاب لانهارت المنطقة برمتها. لذلك تراجع اليقين الغربي ليحل محله الشك. فكانت مرحلة التردد التي لم تعد فيه إزاحة الأسد عن السلطة تأخذ أولوية لدى مصممي القرار السياسي في الغرب.
وهو ما استفادت منه روسيا في تحرير الكثير من المدن التي كانت عصية عليها في مرحلة الإمداد الغربي للجماعات الإرهابية. وهو إمداد قامت به دول إقليمية نيابة عن الغرب وبإشرافه.
بشار الأسد لم يسقط مثل الآخرين لأن القضية التي خرج من أجلها المحتجون السوريون قد أفرغت من محتواها، فلم يعد هناك صراع سوري-سوري بعد أن تم تدويل تلك القضية.