أعلنت السفارة الأميركية في بغداد أنه اعتبارا من الاثنين 15 أبريل 2019 سيتم إدراج الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
إن من حق الحكومة العراقية أن تتخذ أي موقف، ومن أي نوع، تراه مناسبا ونافعا لوطنها وشعبها، حتى لو أغضب الدنيا كلها، لا الولايات المتحدة وحدها، ولكن فقط لو كانت حرة مستقلة بلا وصاية عليها من الداخل، ولا أوامر من خارج الحدود.
وفيما يخص القرار الأميركي الذي أدرج الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، لا بد هنا من التنبيه إلى أنه أخطر من أي قرارٍ آخر اتخذته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المُصرّة والماضية إلى نهاية الطريق في مواجهتها مع نظام الحكم الإيراني.
فهو قرار يعادل إعلان حرب، بصراحة ووضوح. وعليه فإن أي موقف تتخذه حكومة عادل عبدالمهدي إزاء هذا القرار سيكون له حساب وكتاب، لدى الأميركان، وتداعيات وانعكاسات لا على مستقبل العلاقة بين العراق وأميركا فقط، بل بينه وبين طوابير من حليفاتها وصديقاتها والحكومات الصغيرة العديدة الأخرى المجبرة على مجاملتها وتأييد سعيها لخنق النظام الإيراني، لإجباره على واحد من حلَّيْن، إما الرضوخ وإما السقوط.
والملاحظ أن رئيس الوزراء، وقبله رئيس الجمهورية، قد أحسّا بدقة الموقف وخطورته وسخونته، فبذلا كل ما لديهما من مواهب في التغليف والتخفيف والتسويف من أجل الوقوف على التل، والابتعاد عن مرمى نيران الأميركيين والإيرانيين المتبادلة، ولكن دون جدوى.
فالذي تريده أميركا، اليوم، من الدولة العراقية، ممثلة بالرئاسات والبرلمان والجيش، هو الجزم والحزم والحسم، معي أو مع عدوي، ولا مكان بين بين، وعليها أن تتحمل عواقب الاختيار.
ويؤكد مصدر أميركي عراقي موثوق ومقرب من إدارة ترامب أن البيت الأبيض أبلغ مسؤولا عراقيا كبيرا، صراحةً وبالقلم العريض وبلغة خالية من الدبلوماسية، بما يلي:
“إذا بقيتم مع إيران بهذه الدرجة من الالتصاق والتبعية والانغماس في تنفيذ مطالبها إلى الحد الذي أصبحتم معه الشرخ الوحيد المفتوح في جدار عقوباتنا عليها، فإننا مضطرون إلى اتخاذ عدة قرارات بشأنكم، منها وقفُ تزويدكم بأي نوع من أنواع المساعدة والدعم والتسليح، وسحب جميع الضمانات المصرفية المعطاة لحكومتكم، والعمل على شمول النفط العراقي بالعقوبات إلى أن يبلغ سعر البرميل الواحد من نفطكم عشرة دولارات، فانظروا ما أنتم فاعلون”.
ولكن يبدو أن الطبقة العليا من الحكام في وادٍ، وقوى المعسكر الإيراني العراقي في واد، لا تفاهم ولا احترام ولا اهتمام. فمن يدقق في حيثيات المواقف التي يجاهر بها المجاهدون المستأسدون في الكتل والأحزاب والميليشيات المنضوية تحت مظلة الحشد الشعبي الذي أعلن الحاج قاسم سليماني، أكثر من مرة، أنه حرس ثوري إيراني، لا بد أن يُصاب بالحيرة وبالعجز عن فهم طبيعة هؤلاء ومدى تقديرهم لخطورة ما يهددون به أميركا وما يتوعدون.
فهل هم عراقيون مخلصون لعراقيتهم، فعلا، ومدركون لحجم الخطر الذي يجرّون إليه ميليشياتهم وأحزابَهم وحكومتهم وشعبهم العراقي؟ وهل هم صادقون في عزمهم على التحرش بالقوات الأميركية المتواجدة في العراق، أو في سوريا، أو في مكان آخر من العالم، والانخراط، قولا وعملا، في الحرب المصيرية الدائرة بين أميركا الجبارة المقتدرة، وبين إيران المترنحة المتصدّعة المتعثرة التي تعبت وهي تقاوم أوائل آثار العقوبات، برغم أن الأقسى منها لم يُتخذ بعد؟ أم هم فقط موظفون لدى الحرس الثوري الإيراني يفعلون ما يؤمرون، حتى لو كان مدمرا لحاضر شعبهم ولغده المجهول؟
والسؤال بصيغته الواقعية المختصرة هو، هل الحشد الشعبي العراقي عراقي فعلا، أم هو حرس ثوري إيراني ولكن بعقال عراقي وعباءة عراقية لا تستر عورته الظاهرة؟
خذوا مثلا؛ وزير الخارجية العراقي الأكثر تمردا على رئيسه عادل عبدالمهدي، حين يتعلق الأمر بإيران، والأكثر انضباطا واحتراما لسفير دولة الولي الفقيه، والأشد التصاقا بقيادات المعسكر العراقي الإيراني يقول على لسان المتحدّث باسم وزارته، أحمد الصحاف، “لن نسمح بأن تكون أراضي العراق مقرا أو ممرا لإلحاق الضرر بأيٍ من دول الجوار”. وطبعا هو لا يعني الأردن ولا تركيا ولا السعودية ولا الكويت. ونسأل ونعلم بأنه لن يجيب، بأية قوة سوف يسمح أو لا يسمح؟ وكيف؟ ومتى؟
وكان الأحرى به، قبل أن يصدر بيانه العتيد أن يقرأ تصريح وزير خارجيته الإيراني محمد جواد ظريف وهو يتحدث عن قرار إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، ويقول إن هذه الخطوة الاستفزازیة من شأنها أن “ترفع التوترات إلى مستوى المواجهة غير القابلة للسيطرة، والتي تزید من خطر الحوادث والوقائع في المنطقة”؟
وسؤال آخر؛ هل إن هادي العامري وقيس الخزعلي وأبا مهدي المهندس وفالح الفياض ونوري المالكي وباقي جوقة المغردين بالفارسية على قدر هذه المعركة؟ وهل حسبوا حجم الثمن الذي سوف يدفعونه، هم، ويدفعه معهم الشعب العراقي، في هذه المحرقة؟