لم تأت نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي التي جرت يوم 9 أبريل الجاري، وهي الدورة الـ21 من نوعها، منذ إقامة إسرائيل قبل 71 عاما في العام 1948، بأي جديد، إذ تمخضت نتائج التصويت عن مزيد من انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين القومي والديني، وتضاؤل أو اختفاء تيارات اليسار والاعتدال، حتى بالمفهوم الإسرائيلي.
القصد هنا أن الأمر لا يتعلق فقط، بأحزاب ليكود (36 مقعداً) ومن معه، كأحزاب شاس لليهود الشرقيين (8 مقاعد وفي المرتبة الثالثة)، ويهوديت هاتوراه لليهود الغربيين (7 مقاعد)، ويسرائيل بيتنا (5 مقاعد)، واتحاد أحزاب اليمين (5 مقاعد)، وكولانو (4 مقاعد)، بمجموع قدره 65 مقعداً، لصالح الائتلاف المرتقب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إذ أن ذلك يشمل أيضاً، الحزب المنافس “كحول لفان” (أزرق أبيض)، بزعامة الجنرال السابق بيني غانتس، المتحالف مع الجنرالين السابقين موشيه يعلون وغابي أشكنازي، والصحافي يائير ليبيد (زعيم حزب هناك مستقبل سابقا)، والذي حاز على 35 مقعداً، علماً أن هذا الحزب الذي يعده البعض على الوسط يناهض أي حل مع الفلسطينيين، وهو بمثابة وسط بالنسبة للقضايا الإسرائيلية فقط، وهو حزب ينافس فقط نتنياهو على مركز السياسة الإسرائيلية، وهذا ما يفترض إدراكه بعيدا عن أيّ أوهام.
في مقابل ذلك تمكن ملاحظة انحسار تيارات الوسط واليسار، التي تتعاطى وفقاً لمصالح إسرائيل، ووفقا لمنظور أغلبية الإسرائيليين، مع قضية الشعب الفلسطيني، إذ لم يحظ حزب العمل إلا بستة مقاعد، أي أنه بات حزبا صغيرا، ضمن جملة الأحزاب الإسرائيلية الصغيرة، أما حزب ميريتس (اليساري) فحاز على أربعة مقاعد فقط بمجموع قدره عشرة مقاعد.
أما بالنسبة للأحزاب العربية، التي تفرق شملها إلى قائمتين بأربعة أحزاب، بعد تمزيق القائمة المشتركة، فقد حازتا على عشرة مقاعد (6 مقاعد للجبهة والعربية للتغيير و4 مقاعد لحزب التجمع والإسلامية)، الأمر الذي نتج عن خيبة أمل الفلسطينيين من أحزابهم ومعاقبتهم لها، بخفض الإقبال على صناديق الاقتراع، بعد الانقسام الحاصل، وبسبب سوء أداء الأحزاب، وانشغالها بكسب مقاعد لها في الكنيست على حساب انشغالها بالعمل السياسي، لتطوير المجتمع الفلسطيني وتعزيز مكانته ودوره في دفاعه عن حقوقه المدنية والوطنية.
بعد العرض المذكور للخارطة الحزبية الإسرائيلية بدلالاتها السياسية، يمكن لفت الانتباه إلى العديد من الاستنتاجات على النحو الآتي:
أولا، صعود شعبية حزب ليكود بقيادة نتنياهو، إذ أنه في الانتخابات السابقة، عام 2015، حصل على 30 مقعداً، بارتفاع قدره خمسة مقاعد، في حين تراجعت شعبية حزب العمل من 24 مقعدا إلى ستة مقاعد، ما يعني انهيار هذا الحزب الذي أسس إسرائيل، وقادها في العقود الثلاثة الأولى (1948 – 1977)، والذي عقد اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين (عام 1993)، والذي يطرح شعار “وحدانية الشعب”، في مقابل شعار ليكود “وحدانية الأرض”. أما حزب “هناك مستقبل” الذي كان قد حاز على 11 مقعدا في الانتخابات السابقة، فقد حافظ على قوته، بتحالفه مع الجنرالات، ما يستنتج منه أن قوة حزب أزرق – أبيض، الذي يتزعمه الجنرال غانتس، أتت على حساب القوة التصويتية لحزب العمل.
ثانياً، تراجع القوة التصويتية للعرب بسبب اختلافاتهم، وطغيان المصالح الحزبية والشخصية في تحديدهم لتحالفاتهم ومواقفهم وعلاقاتهم البينية، سواء في ما بينهم كأحزاب أو بينهم وبين مجتمعهم، إذ يفترض أن القوة التصويتية للعرب تتيح 18 مقعدا في الكنيست، وفي الكنيست السابق كان لهم 13 مقعدا (للقوائم العربية).
ثالثا، هذه الانتخابات تبين بأن المزاج العام في إسرائيل يميل لصالح القوى اليمينية والدينية الإسرائيلية، ولاسيما لتأكيد الطابع الحقيقي لإسرائيل باعتبارها دولة يهودية، أي لليهود، بدلا من الاتكاء على كونها دولة يهودية ديمقراطية، باعتبار اليهودية بمثابة قومية وهو أمر طبيعي، إذ ليس ثمة معطيات داخلية أو خارجية تضغط على إسرائيل وعلى الإسرائيليين، للانصياع للحقوق المشروعة للفلسطينيين، وحتى تلك التي أقر لهم بها المجتمع الدولي، بل ثمة انكفاء عن القضية الفلسطينية، وتراجع لأهمية إيجاد حل لها في الأجندة العربية والدولية.
رابعاً، واضح أن هذه الانتخابات تواكب لحظة دولية، وأميركية خاصة، تبتغي طيّ ملف القضية الفلسطينية، وفتح مسار جديد في ترتيب العلاقات العربية – الإسرائيلية، تبعا لما يريد طرحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سواء كان اسمه “صفقة القرن” أو أي اسم آخر، وقد بدأ ذلك باعترافه بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وبمحاولات تصفية قضية اللاجئين، ووقف التمويل الأميركي لمنظمة أونروا، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والاعتراف بالجولان تحت سيادة إسرائيل، وبتأكيده على تطبيع العلاقات العربية – الإسرائيلية.
بيد أن ما ينبغي إدراكه أن هذا الأمر سيحصل سواء كان الفائز حزب الليكود بزعامة نتنياهو، أو حزب أزرق ـ أبيض بزعامة الجنرال غانتس.
بعد هذه الانتخابات، يمكن القول أننا بتنا إزاء مجموعة ظروف ومعطيات قد تؤدي ليس إلى شطب فكرة الدولة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وإنما إلى شطب القضية الفلسطينية برمتها، على ما يحاول الرئيس دونالد ترامب، فهل لدى النظام العربي ما يقوله أو يفعله؟ وهل بإمكان الفلسطينيين إنتاج معادلات تغير هذا المسار أو تقلل من مخاطره؟