بانقضاء اليوم 13 نيسان 2019 يكون مرَّ 44 عاماً بالتمام والكمال على اندلاع شرارة الحرب اللبنانية، من حيّ عين الرمانة شرق بيروت.
ومع ان تحولات، لا يُمكن تجاهلها حصلت في السياسة والإقتصاد، لا سيما بعد اتفاق الطائف، فإن تداعيات الانهيارات الكبيرة، ما تزال تتوالى فصولاً..
والأخطر، على هذا الصعيد، التخبط في الأزمات، من المديونية إلى الكساد، والكهرباء، والفساد، والعقوبات، والتخبط في إيجاد الحلول الملائمة، على الرغم من أطنان الكلام والأحلام والوعود، وحكومات الوحدة الوطنية، سواء أكانت في «شهر عسل» أو حكومات إلى العمل.
ولئن شكّلت محطة الشمال، لجهة إعادة وصل ما انقطع بين الرئيس سعد الحريري والقيادات الطرابلسية، لمناسبة الإجماع على دعم المرشحة عن المقعد السنّي في دائرة طرابلس ديما جمالي، والذي شغر بابطال المجلس الدستوري نيابتها، قبل أكثر من شهرين، فإن الوقائع السياسية على الأرض تكشف عن فجوة في المقاربات والمعالجات، من وضع إطار تشريعي لخطة الكهرباء الأربعاء المقبل، إلى طبيعة المحادثات المالية الجارية مع مسؤول الخزانة الأميركية في واشنطن، وصولاً إلى تخفيض أرقام موازنة العام وإعادة النظر في الفذلكة والأبواب، والقوانين البرامج..
الموازنة متى؟
وبإستثناء ما أعلنه البطريرك الماروني بشارة الراعي، نقلاً عن الرئيس ميشال عون «بأن الأسبوع المقبل سيشهد درس موازنة العام 2019»، فإن أية معلومات عن طبيعة الإجراءات التقشفية التي تحدث عنها رئيس الحكومة الحريري، لم تكشف، كما لم يكشف المسار الذي سيسلكه مشروع الموازنة قبل عرضه على مجلس الوزراء، علماً أنه بات موجوداً لدى الأمانة العامة لمجلس الوزراء مع كامل التعديلات التي وضعها عليه وزير المال علي حسن خليل، لكن الرئيس نبيه برّي أبلغ هيئة مكتب المجلس التي اجتمعت أمس في عين التينة، عن اتجاه لعقد اجتماعات للكتل النيابية والسياسية مع الرئيس الحريري بهدف الوصول إلى توافق سياسي حول الإجراءات التقشفية في الموازنة، والتي قال عنها البطريرك الماروني، بأنها «لا تعني تشليح النّاس حقوقهم ولكن وقف الهدر»، في إشارة إلى المكتسبات التي حصل عليها الموظفون في قانون سلسلة الرتب والرواتب، والتي تردّد ان التقشف في الموازنة قد يطالهم مع عدد من المؤسسات الاجتماعية والجمعيات والمدارس المجانية والمستشفيات، والتي رفض البطريرك الراعي حجب المال عنهم تحت ستار التقشف، داعياً الى التمييز بين ما هو هدر يجب وقفه واين يجب ان تدفع الدولة المتوجب عليها، وهو ما وصفه بـ«ترشيد الانفاق».
في هذا السياق، ترددت معلومات عن اتجاه لتخفيض 35 في المائة من سلسلة الرتب والرواتب لكافة موظفي الدولة والقطاع العام، وبالتالي من رواتب كافة الموظفين في الوزارات وقوى الجيش والأمن الداخلي والأجهزة الأمنية وموظفي المؤسسات التابعة لرئاسة الوزراء ومجلس النواب، وإلغاء تسهيلات الطبابة والاقساط المدرسية، مما يوفّر حوالى مليار دولار.
إلا ان الوزير خليل أكّد ان حقوق الموظفين في القطاع العام لن يمسها شيء، إلا إلغاء تسهيلات وتخفيض المساعدات للموظفين.
يُشار إلى ان قائد الجيش العماد جوزاف عون أكّد ان لا مس بمكتسبات العسكر.
وأكدت مصادر وزارية لـ«اللواء» ان مشروع الموازنة سيكون حاضرا للبحث في خلال الاسبوع المقبل، وانه بعد توزيعه على الوزراء تعقد جلسات متتالية لمجلس الوزراء من اجل اقرار المشروع في اقرب وقت ممكن ولفتت المصادر الى ان هناك جوا من التهويل يسود في ما خص الوضع المالي في البلاد مؤكدة ان الوضع الاقتصادي ليس جيدا انما هناك سعي من اجل وضع الامور على السكة الصحيحة عبر اجراءات تنوي الحكومة اتخاذها سواء من خلال الموازنة او في مشاريع إصلاحية اخرى.
وكان ملف الموازنة وغيره من الملفات مدار بحث بين الرئيس عون والبطريرك الماروني امس حيث وصفت اجواء اللقاء بينهما بالايجابية، مشيرة الى ان البطريرك سمع كلاما مطمئنا من الرئيس عون حول الانصراف الى انتظام الأمور ومواصلة مكافحة الفساد، وأكدت ان الرئيس عون وضع البطريرك الراعي في جو اولويات العمل في المرحلة المقبلة وما دار بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن ملف النازحين حيث كان التوافق على ضرورة عودتهم، ووضع الرئيس عون البطريرك في صورة مباحثاته مع كل من الرئيسين البلغاري واليوناني.
الحريري في طرابلس
اما الرئيس الحريري الذي قام أمس بجولة انتخابية في طرابلس لدعم مرشحته السيدة ديمة جمالي، عشية الانتخابات الفرعية التي ستجري غداً الأحد، فقد حرص على هامش لقاءاته مع معظم قيادات المدينة وفعالياتها السياسية والروحية، على التأكيد على البعد الإنمائي للمعركة الانتخابية، وافاض في أحاديثه عن الموازنة بعد إقرار خطة الكهرباء، مؤكداً بأن هذه الموازنة ستكون تقشفية كي نخرج البلد من ازمته الاقتصادية، لكنه لفت إلى انه ليس وارداً لديه إضافة ضرائب على الموازنة، وليس على المواطن ان يدفع ثمن الأزمة، الا ان هناك مكامن هدر لا بدّ من ايقافها، مشددا على ان ما سيقوم به على هذا الصعيد هو لمصلحة المواطن.
لكن الحريري لم يشر إلى موعد عرض موضوع الموازنة على مجلس الوزراء، الا انه بدا مطمئناً إلى ان كل القوى السياسية متفقة اليوم حول وجوب القيام بالاصلاحات والتقشف ومحاربة الفساد، والاهم من ذلك وقف الهدر الذي يجب ان لا يكون موجوداً في الموازنة الجديدة، من دون ان يعطي أمثلة سوى انه يجب شد الاحزمة، واعداً بالكشف عن الإجراءات التي ستتخذ لبث الحيوية في الاقتصاد وإنقاذ البلد، لافتا إلى ان التحديات الأمنية أصبحت وراءنا، واننا انتهينا فعلياً من المعارك والانقسامات الداخلية التي كانت تحصل، ونحن نسير قدماً لإعادة النهوض بالاقتصاد.
تحريك الإنماء
وكان الرئيس الحريري قد أطلق مجموعة من الوعود لحث الناخبين الطرابلسيين على النزول إلى صناديق الاقتراع غداً، لمصلحة مرشحته جمالي، رداً على من وصفهم «بالمشككين» الذين يراهنون على ان نسبة الاقتراع لن تتجاوز الـ8 في المائة، لاعتبارات عديدة سياسية وإنمائية، أبرزها إلى الغبن اللاحق بالمدينة وانعدام فرص العمل، وعدم وجود تنافس سياسي حقيقي بين المرشحين السبعة الذين يخوضون الانتخابات الفرعية، بما يجعل نتيجتها معروفة سلفاً، خاصة بعد إعلان فريق 8 آذار الذي يتزعمه في طرابلس «تيار الكرامة» برئاسة النائب فيصل كرامي وحليفته جمعية المشاريع الإسلامية وسنَّة 8 آذار.
وأبرز هذه الوعود تأكيد الحريري بأن حصة طرابلس من مشاريع «سيدر» ستفوق الـ20 في المئة، وبأن المنطقة الاقتصادية الخاصة والوحيدة ستكون في طرابلس ونقطة على السطر، واصفاً الكلام عن الاستغناء عن هذه المنطقة وتفريخ مناطق اقتصادية في غير منطقة لبنانية «بالمعيب»، مشددا على انه في كل دول العالم هناك منطقة اقتصادية واحدة، لكنه لفت إلى ان المسألة ليست حصصاً، مصارحاً الحضور في مهرجان لكوادر الماكينة الانتخابية أقيم مساء في فندق «كواليتي ان»، بأنه لو كانت المنطقة الاقتصادية قائمة اصلا في صور مثلاً، ما كان يسمح لنفسه إقامة منطقة أخرى، لسبب مناطقي أو طائفي، معتبرا هذا التفكير بأنه يدمر لبنان ولا يعمره.
وشدّد الحريري على أهمية سياسة النأي بالنفس والاعتدال في تجنيب لبنان مخاطر ما يجري في الدول المجاورة، مؤكداً في المقابل، بأن وحدة الصف القائمة اليوم في طرابلس بينه وبين الرئيس نجيب ميقاتي واللواء اشرف ريفي والوزير السابق محمّد كبارة والوزير السابق محمّد الصفدي، ليست من باب الرغبة في الوقوف في وجه أحد، وإنما عن باب مصلحة طرابلس والشمال ومن باب مصلحة نمو لبنان، ومن باب اننا في السياسة حين نقف صفاً واحداً نصبح أقوى».
الجلسة التشريعية
من جهة ثانية، انجزت هيئة مكتب المجلس النيابي، التي اجتمعت أمس برئاسة الرئيس برّي، في غياب نائبه ايلي الفرزلي وعضو المكتب سمير الجسر جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد يوم الأربعاء المقبل، والذي تضمن، وفق معلومات «اللواء» 18 مشروع واقتراح قانون، أبرزها مشروع القانون المحال من الحكومة لتعديل قانون الكهرباء رقم 288، والذي ينتظر ان يطرح بعد ان تكون لجنة الاشغال النيابية قد درسته في اجتماعها يوم الاثنين المقبل، على اعتبار انه يحتاج إلى «شدشدة» على حدّ تعبير النائب مروان حمادة الذي كشف عن وجود ملاحظات نيابية عليه، موضحاً ان اللجنة ستأخذ وقتها في دراسته، لكنه علينا ان لا ننسى ان هذا المشروع هو جزء من خطة الكهرباء التي يُمكن ان توفّر في السنة الأولى 250 مليون دولار على الأقل، إذا جرى تنفيذ دقيق للجباية ومعالجة الهدر التقني والإداري، بحسب ما نقل حمادة عن برّي.
ورجحت مصادر نيابية لـ«اللواء» ان تدخل لجنة الاشغال في اجتماعها الاثنين تعديلاً جوهرياً على مشروع الحكومة للكهرباء، بحيث تخفف من الصلاحيات المطلقة الممنوحة لوزارة الطاقة منفردة، وبالتالي رفع القيود المفروضة على إدارة المناقصات لكي تكون لها صلاحيات أوسع في درس المناقصات التي ستعرض عليها من قبل شركات لإنشاء معامل مؤقتة أو دائمة، وفق نظام B.O.T أو P.P.P.
ومن بين المشاريع المطروحة على الجلسة التشريعية، مشروع المحميات وبروتوكولات مع الاتحاد الأوروبي وامور تتعلق بالتنوع البيولوجي، وثمة اقتراح قانون يُعيد فتح المهل بالنسب إلى الترشيح للمجلس الدستوري، لأن طائفة الروم الارثوذكس لم يعد لديها الا مرشّح واحد باعتبار ان المرشح الثاني أصبح وزيرا للعدل (البرت سرحان)، ويهدف الاقتراح إلى فتح المهلة شهراً.
باسيل يغمز من قناة عثمان
إلى ذلك، غمز وزير الخارجية جبران باسيل أمس من قناة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان من دون ان يسميه في سياق حديثه عن محاربة الفساد، أثناء مأدبة غداء تكريمية أقامها تكريماً له عميد السلك القنصلي في لبنان السفير جوزف حبيس، مشيرا إلى ان «احدهم برر له سبب مبادرة مدير في جهاز أمني (المقصود هنا قوى الامن) حصر التوقع بشخصه على معاملات الابار الارتوازية، والرخص، معللا السبب بأن كل العسكر والضباط كانوا يأخذون فحصرها عنده، لأنه ادمي لا يأخذ.
وقال باسيل: «هذا صحيح، لكنه (يقصد اللواء عثمان) أصبح هو فوق الرئيس ورئيس الحكومة والوزير ويعطي رخص البناء ويحل ايضا مكان وزير البيئة ويرخص كسارة ويوقفها».
ولفت إلى انه عملياً هناك تجربة كبيرة جداً في سنغافورة في محاربة الفساد بامكاننا الاستفادة منها، لأننا نحن في بلد عائم بالفساد كيفما اتجهنا في قوى الأمن أو في القضاء.
وقال: «اذا كان القضاء هكذا، ماذا بقي؟ كل العدلية مرعوبة، لماذا؟ تخيلوا أصبح في لبنان سمسار للقضاة، نحن نعرف السمسار هو في الأراضي والتجارة؟!
الى ذلك، إعتبرت أوساط القوات اللبنانية ان طلب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق تفويضاً من الحكومة لتعيين لجان مؤقتة الأمد هو إجراء روتيني وطبيعي لمهام محددة وقد حصل عليه وزراء التنمية المتعاقبون لا بل أن السوابق تشير إلى تجاوز بعض الوزراء هذا التفويض إلى توظيف طويل الأمد يتجدد تلقائياً إضافة إلى تجاوزات أخرى.
ورغم استغراب الأوساط نفسها السجال الذي بدأه الوزير الياس بوصعب إلا أنه لم يفاجئ تلك الأوساط التي كانت تنتظر ردة فعل ما على إقرار خطة الكهرباء بالشكل الذي تم به، ووضعت هذا الكباش في خانة الأضرار الجانبية لعلاج الكهرباء وختمت بأنها لم تكن تتمناه تبعاً لما ينتظر الحكومة من تحديات جسام تتطلب أعلى مستويات المسؤولية.
وفد الكونغرس الاميركي
وبينما كانت الوفود النيابية والوزارية اللبنانية تجوب واشنطن من مكتب الى مكتب في مجلسي النواب والشيوخ الاميركيين والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لشرح الاوضاع الاقتصادية والمالية ومحاولة تخفيف حدة العقوبات المفروضة على «حزب الله» وبعض الشخصيات السياسية المتضامنة معه، كان وفد من الكونغرس الاميركي يجول في بيروت على رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي ووزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان، «للبحث في كيفية العمل معا. ولنطلع على كل التحديات التي يمر بها لبنان لتعزيز سبل المساعدة ولنؤكد استمرار التعاون والصداقة بين الولايات المتحدة ولبنان».
وعلمت «اللواء» من مصادر رسمية إلتقت الوفد الاميركي، ان مهمته تتعلق اساسا بعمل الامم المتحدة والمساعدات التي تقدمها والنشاطات التي تقوم بها في دول العالم، لذلك كان تركيز الوفد على موضوعي الوضع في الجنوب وعمل قوات اليونيفيل، واوضاع النازحين السوريين والمساعدات التي تقدم لهم في لبنان وهو سيقوم اليوم بجولة على مخيمات النازحين في البقاع.
واوضحت المصادر ان الوفد لم يحمل اي جديد يتعلق بنوعية وحجم المساعادت الاميركية للبنان سوى المعلن والمعروف، سواء المخصص للجيش او قوات اليونيفيل، وتلك التي تقدمها الولايات المتحدة للنازحين السوريين عبر المنظمة الدولية ومؤتمرات الدول المانحة اخرها مبلغ 400 مليون دولار عبر مؤتمر بروكسل الذي عقد في آذار الماضي.
واشارت المصادر الى ان الادارة الأميركية تقدم مساعداتها عبر الكونغرس، ولذلك فإن الوفد يزور لبنان للتأكد من جدوى هذه المساعدات وذهابها في الطريق الصحيح. واوضحت ان المساعادت الاميركية تصرف على النازحين السوريين في لبنان ولا مانع لديها من ان تصرف على العائدين الى سوريا لكن عبر الامم المتحدة.
تجدر الإشارة إلى ان المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة يان كوبيتش زار أمس مسؤول العلاقات الدولية في «حزب الله» عمار الموسوي، حيث تمت مناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المنطقة، ونقل كوبيتش دعم المجتمع الدولي للبنان ولاستقراره والخطوات التي تقدّم بها الحكومة.
وعبر الطرفان، بحسب بيان لمكتب العلاقات الدولية في الحزب عن الضرورة القصوى للتحرك الفعال من أجل ايجاد الحلول التي تمكن من البدء بعملية اعادة النازحين السوريين الى بلدهم، وقد ذكر كوبيتش أن الامم المتحدة هي على تواصل مستمر مع الحكومة السورية من اجل استطلاع الظروف والفرص لعودة آمنة وكريمة للنازحين».