بموازاة تغييرات جذرية في الواقع السياسي والأنظمة العامة في دول عربية «إفريقية» وفي وقت يشترك لبنان، عبر رئيسه ميشال عون مع رئيسي اليونان وقبرص في البحث في قضايا السياحة والغاز وحتى النفط والحدود البحرية والخلافات المتوقعة حولها، إقليمياً، كانت الموازنة «المتقشفة» وصلت إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وهي تخضع لمراجعة لتأمين غطاء سياسي، شبه اجماعي أو توافقي، ضمن الاستجابة اللبنانية لمتطلبات «سيدر» بعد خطة الكهرباء المرتبطة عضوياً ومالياً بالتخفيضات المرتقبة في ما خص الأرقام وابوابها، والرواتب للموظفين العاملين صغاراً كانوا أو كباراً، فضلاً عن السلطات العامة في الخدمة الحالية، أو خدموا سابقاً.
في شهر نيسان الجاري، الذي يسبق شهر رمضان المبارك، والذي وصفه الرئيس نبيه برّي «بالشهر الدقيق» انطلاقاً من إجراءات الموازنة، التي لا بدّ منها تماماً كما حصل في ما خص خطة الكهرباء، بوصفها «خطوة على الطريق الصحيح».
ويتضح ان «التوافق الرئاسي» على موازنة تقشفية بات امرا محسوماً، الا ان النقاش ما يزال يدور حول حجم التخفيضات التي تتناول أرقام مساعدات الدولة للجمعيات الخيرية، ولعدد من القطاعات والمؤسسات بينها بعض النقابات، فضلا عن التخفيضات التي تتناول لائحة طويلة تتجاوز الـ170 بنداً، بما في ذلك احتمالات تخفيض الرواتب المليونية لموظفين كبار لا سيما في بعض المؤسسات العامة.
جلسة الحكومة
وكان مجلس الوزراء أقر في جلسته امس في السراي الحكومية برئاسة الرئيس سعد الحريري الاغلبية العظمى من جدول الاعمال البالغ 34 بندا، وكادت تمر الجلسة رتيبة لولا طرح البند 26 المتعلق بطلب وزير الاتصالات محمد شقير الغاء الخدمة الممنوحة لاصحاب خطوط الخلوي الثابتة بستين دقيقة مجانية، فاعترض معظم الوزراء مطالبين بتوضيح النص ويتقديم خدمات بديلة للمواطن وتحسين خدمات قطاع الاتصالات قبل الغاء اي خدمة ممنوحة له، محذرين من لجوء المواطنين الى خطوط مسبقة الدفع بدل الخطوط الثابتة، وتوافق على الرفض وزراء «التيار الحر» وحركة «امل» و«حزب الله» و«المردة»، ومعهم وزراء «القوات اللبنانية».
وسأل الوزراء الوزير شقير عن تقديره لقيمة الخدمة الممنوحة التي يريد الغاءها فقدّرها بين 22 الى 25 مليون دولار، وجرى نقاش مطول حول الموضوع ادى الى تأجيل البند حتى اشعار اخر، وبما يوحي بأنه لن يعرض مجددا، وجرى حديث عن ضرورة وضع خطة متكاملة لقطاع الاتصالات يتم فيها تحديد الخدمات وحصة الدولة منه التي تبلغ 25 في المائة من قيمة الارباح مقابل 75 في المائة للشركتين المشغلتين.
وأوضحت مصادر «التيار الحر» ان وزراءه اعترضوا على إلغاء الستين دقيقة المجانية، وسأل الوزير جبران باسيل الوزير شقير عن المدخل الذي سيتحقق في حال الالغاء»؟ وشدّد باسيل على وجوب وضع خطة متكاملة لوقف مكامن الهدر في قطاع الاتصالات والخلوي وهي كثيرة، وقال: «ثمة إجراءات وقرارات يُمكن اتخاذها تؤمّن وفراً كبيراً وإيرادات مهمة إلى خزينة الدولة». فتأجل البحث في هذا البند».
وكان الوزير شقير أستبق الجلسة بتصريح قال فيه: أن طلبه جاء لتصحيح ما اعتبره «قراراً خاطئاً اتخذ في حينه، مؤكداً أن الدعم يجب أن يوجَّه إلى الناس التي تحتاج إليه لا العكس».
وقال في بيان: يوجد اليوم نحو 4 ملايين و400 ألف خط خلوي، منها 600 ألف خط ثابت معظمها لأشخاص ميسورين، ومن بين الـ600 ألف هناك فقط 3 أو 4 في المئة أصحاب دخل متوسط، فيما الغالبية الساحقة هي من الميسورين.
وسأل «هل الدعم يوجَّه إلى هذه الفئة، أو إلى مَن يحتاج فعلاً إلى الدعم من أصحاب الدخل المحدود والفقراء وطلاب المدارس والجامعات الذين يستخدمون خطوطاً مسبقة الدفع وعددها نحو 3 ملايين و800؟».
وطرح بند اخر للنقاش (رقم 9) يتعلق بطلب وزيرة التنمية الادارية مي شدياق تفويضها تشكيل لجان عمل من الاخصائيين، ولم يجر اقراره بحجة وقف التوظيف في الدولة لمدة سنتين، وعدم توضيح عدد الموظفين المطلوبين وماهي مهامهم بالضبط وكلفة التعيين.وجرى تأجيل البحث فيه ايضا. وعلقت شدياق على الموضوع بالقول بعد الجلسة: الأجواء في الظاهر جيدة وفي الباطن أجواء «نكايات» في إشارة إلى السجال الذي حصل بينها وبين عدد من الوزراء، في مقدمهم وزراء «التيار الحر»، الذين اعتبروا البند بمثابة طلب غير مباشر للتوظيف العشوائي، الذي كان يفتقده وزراء «القوات»، وفي مقدمهم وزير العمل كميل أبو سليمان الذي عاد واعتبر ان البند بحاجة إلى مزيد من الدرس.
وبحسب المعلومات، فإن وزير الدفاع الياس بوصعب تدخل قائلاً لشدياق لدى طرح البند: «لطالما كنتم من المعترضين على التوظيف العشوائي المخالف للقانون، ونحن أيضاً، ولذلك نعترض اليوم على هذا الطلب، ليس بهدف العرقلة طبعاً، بل لأننا نطالب بدراسة دقيقة، وبآلية واضحة لتحديد الحاجات، خاصة ان البند المدرج لا يُحدّد عدد أو خبرة المطلوب توظيفهم أو حتى المبلغ المالي المتوجب من موازنة الوزارة لهذا الغرض. وإذا اقتنعنا، قد نوافق على الطلب، وليس في موقفنا هذا أي أسباب شخصية بطبيعة الحال». وأكد على هذا القول أيضاً في الجلسة الوزير باسيل الذي شدّد على معرفة الآلية التي ستتبع لهذا التوظيف، هل هو مجلس الخدمة المدنية أم لجنة وزارية وكم الكلفة وكم العدد. وبعد نقاش حول الموضوع، تدخل الوزير ابو سليمان متوجهاً إلى بوصعب بالقول: «لقد تفهمت مطلبكم بهذا المنطق»، ودائماً بحسب مصادر «التيار»، إلا ان الوزير ابو سليمان نفى ان يكون قال مثل هذا الكلام الذي نقله عن لسانه بوصعب.
الحريري والموازنة
وخارج إطار المناقشات، كان اللافت للانتباه، مداخلة الرئيس الحريري في مستهل الجلسة، والذي لفت فيها إلى «الايجابية التي ارخاها إقرار خطة الكهرباء على الأسواق المالية والنقدية، وعلى ثقة المستثمرين، باعتباره الإشارة الأولى إلى جدية الحكومة في خفض العجز في الموازنة ومكافحة الهدر في المال العام وتنفيذ ما التزمنا به في مؤتمر «سيدر».
وقال: «إن أفضل قرار اتخذناه في لبنان هو القيام بإجراءات معالجة العجز والتقشف في الموازنة، قبل أن تقع الأزمة، بينما اضطرت دول أخرى إلى اجراءات اصعب وأقسى وأكثر ألما، لأنها انتظرت وقوع الأزمة قبل البدء بالمعالجة، فكلمة السر هنا هي اتخاذ الإجراءات لتفادي الأزمة، والتمكن من إدارة الخطوات بطريقة تحمي الاقتصاد والمواطنين».
وشدّد الحريري على ان مسؤولية الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي تقع علينا جميعاً في مجلس الوزراء والمجلس النيابي، واساسها التوافق بين جميع القوى السياسية الممثلة في الحكومة على الإجراءات التي ستتضمنها الموازنة، وعلى حسن تنفيذها».
لكن الحريري لم يشر إلى موضوع مشروع الموازنة على مجلس الوزراء، الا وزير الإعلام جمال الجراح. أشار بعد الجلسة إلى ان المشروع سيعرض قريباً جداً.
وقال: «سيتم بحث الموازنة في اقرب وقت، والرئيس الحريري ووزير المالية يضعان اللمسات الاخيرة عليها، وهي وصلت الى الامانة العامة لمجلس الوزراء وان شاء الله هناك جلسات قريبة للنقاش.
عون في جو التخفيضات
وعلمت «اللواء» من مصادر سياسية مطلعة أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وضع في جو التخفيضات التي تطاول مشروع الموازنة وهو يؤيد ما تقتضيه المصلحة العامة للبلاد متحدثة عن أسس تم وضعها في موضوع الموازنة من اجل السير بها وان الكل موافق عليها.
ولفتت المصادر الى ان الرئيس الحريري سيجري اتصالات مع عدد من الاطراف دون ان يلمح الى انه يعني بذلك عقد لقاءات مع رؤساء الكتل لهذه الغاية.
وفهم ان الرئيس الحريري يسعى الى تأمين اجماع على الموازنة والانتقال الى خطوات اخرى بعد اقرار خطة الكهرباء التي انعكست ايجابية على الاسواق المالية.
اما الرئيس نبيه برّي، فقد اعتبر، بعد لقائه الرئيس اليوناني بروكوبيوس بافلوبولوس أن «خطة الكهرباء خطوة على الطريق الصحيح، إلا انها ليست كافية، والاهم هو الموازنة». لافتاً إلى ان هذا الشهر دقيق من ناحية الإجراءات الاقتصادية، في إشارة إلى ان بحث وإقرار الموازنة ربما يتم هذا الشهر الذي رفض برّي وصفه بالمصيري، بل بالدقيق.
وسيرأس برّي اليوم اجتماعاً لهيئة مكتب المجلس بهدف وضع جدول أعمال الجلسة التشريعية التي ستعقد الأربعاء المقبل، وأبرز مواضيعها تعديل قانون تنظيم قطاع الكهرباء 288.
العقوبات
وفي نبأ من واشنطن، اجتمع الوفد النيابي اللبناني مع مساعد وزير الخزانة الأميركية لمكافحة الإرهاب والجرائم المالية، وبعد اللقاء قال كنعان: «لا عقوبات جديدة تستهدف مسؤولين لبنانيين رسميين، والاستقرار اللبناني اولوية».
ومن ناحية ثانية، ذكرت مصادر الوفد النيابي اللبناني الذي يزور واشنطن حالياً، ان مسؤولاً في وزارة الخزانة الأميركية طلب من المسؤولين في الوفد ومن سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى إبلاغ رسالة مباشرة إلى برّي بأن الكلام عن فرض عقوبات عليه لا يعدو كونه شائعة ولا يمت إلى الحقيقة بصلة.
تجدر الإشارة هنا إلى ان الخزانة الأميركية أعلنت أمس انها فرضت عقوبات على اللبناني قاسم شمص بتهمة تبييض أموال.
مشيرة الى أنه «ضبط شبكة تبيض أموال لصالح «حزب الله« تنشط في 9 دول و4 قارات وهي أستراليا والبرازيل وكولومبيا وإسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا».
وأكدت الوزارة أن «العقوبات تندرج ضمن حملة منع «حزب الله» من الإستفادة من تجارة المخدرات»، معلنة «أننا «نعمل مع مصرف لبنان على منع تمويل تجار المخدرات لحزب الله». (الخبر في مكان آخر)
يذكر ان السفيرة الأميركية اليزابيت ريتشارد حضرت أمس، مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون وعدد من كبار الضباط، مناورة حيّة نفذتها القوات الجوية في حقل رماية حنوش- حامات، بواسطة المذنبات من نوع APKWS عيار 70 ملم الموجهة بالليزر، تمت تجربها للمرة الأولى بعد تسلم طائرات سوبر توكانو A-29.
قمّة ثلاثية في حزيران
على صعيد اخر علم ان القمة الثلاثية بين رؤساء لبنان وقبرص واليونان قد تنعقد في شهر حزيران المقبل. في نيقوسيا مبدئيا وتنافش قضايا السياحة والغاز واخرى ذات اهتمام مشترك.
وافادت ان محادثات الرئيس عون مع نظيره اليوناني تناولت عددا من الملفات لاسيما في المجال السياحي والثقافي واكاديمية الانسان للتلاقي والحوار، فيما كان لافتا انتقاد الرئيس اليوناني للإتحاد الاوروبي. كذلك حضر ملف النازحين والمخاوف منه، ومع ان اليونان ليست بلدا منتجا للنفط والغاز انما كان كلام عن تبادل الخبرات في هذا الملف كذلك كان تشديد على رفع الميزان التجاري وقد شرح الرئيس اليوناني للظروف الاقتصادية التي مرت بها اليونان وخروجها من الازمة في العام 2015.
وأكّد الرئيس عون في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اليوناني، على «حق لبنان باستخراج النفط والغاز ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة»، مشددا على رفض الانضمام إلى أي منتدى أو آلية تعاون تشارك فيها إسرائيل ولا سيما منتدى غاز شرق الأوسط.
وزار الرئيس اليوناني الرئيسين برّي والحريري وكذلك متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة ونصب الشهداء، مؤكدا الحاجة إلى فتح قنوات التواصل لكثرة النزاعات القائمة بين الحضارات، مقدراً ما قام به لبنان على صعيد النازحين السوريين، معتبراً ان أوروبا لم تكن حاضرة كما يجب منذ بدء الأزمة في سوريا.
وبالتوازي، عقدت في وزارة الخارجية محادثات موسعة بين لبنان وقبرص، جمعت وزراء الخارجية والطاقة في البلدين، تركزت على موضوع النفط والاستثمارات اللبنانية في قبرص.
وطرح الجانب اللبناني، بحسب ما أوضح الوزير باسيل، ان أي اكتشاف غازي أو نفطي بيننا يتم استثماره بمشاريع مشتركة، مؤكداً السعي إلى تعزيز التعاون مع قبرص وصولاً إلى حلف نفطي وغازي كما نأمل.
اما وزير الخارجية القبرصي نيكوس كريستودوليديس فأكد ان قبرص لن تشارك في اي عمل يخرق السيادة اللبنانية.
انتخابات طرابلس
في هذا الوقت، تركز اهتمام تيّار «المستقبل» على تأمين فرص الفوز لمرشحته السيدة ديمة جمالي في الانتخابات الفرعية التي ستجري في طرابلس يوم الأحد المقبل، عبر التركيز على أهمية هذه الانتخابات من خلال حشد أوسع مشاركة شعبية، فضلاً عن الدعوة إلى كثافة الاقتراع.
وفي هذا السياق، يزور الحريري، بصفته رئيس «التيار» المدينة اليوم، ويجري لقاءات واسعة مع عدد من القيادات السياسية والشعبية فيها، بعد ان كان سبقه إليها الرئيس فؤاد السنيورة ورئيسة كتلة «المستقبل النيابية» السيدة بهية الحريري، فيما أمضى الأمين العام «للتيار» أحمد الحريري معظم الأيام الماضية في طرابلس لدعم ترشيح جمالي التي تخوض المعركة في مواجهة سبعة مرشحين، ابرزهم النائب السابق مصباح الأحدب.
ونظم تيّار «المستقبل» مساء أمس مهرجاناً انتخابيا في منطقة القبة في طرابلس، يتوقع ان يكون الأخير قبل حلول فترة الصمت الانتخابي ابتداء من فجر السبت، بحسب ما أكدت هيئة الاشراف على الانتخابات، وتحدث في المهرجان إلى جانب الرئيس السنيورة كل من الوزير السابق اللواء اشرف ريفي والمرشحة جمالي، فيما كان لافتا كلام السنيورة من رفضه استمرار الميليشيات والأحزاب الطائفية والمذهبية للاطباق على الدولة والحد من صلاحياتها، إضافة إلى دعوة إلى المشاركة الكثيفة في الانتخابات، معتبرا انتخاب جمالي مصلحة طرابلس ولبنان، وان انتخاب جمالي سيعزز من قدرة الرئيس الحريري على الوقوف بوجه الضغوط التي تمارس ضده وضد الدولة ومحاولة تشويه صورة لبنان وتزوير هويته وحرف بوصلته الوطنية والسياسية والاقتصادية
وقبل ذلك، جال الرئيس السنيورة على معظم القيادات السياسية والمرجعيات الروحية، برفقة جمالي، يتقدمهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائبان سمير الجسر ومحمّد كبارة، والنائب السابق أحمد كرامي والوزير السابق ريفي، وتناول الغداء إلى مائدة تكريمية أقامها الوزير السابق رشيد درباس، شدّد في خلالها على ان تكون المشاركة كبيرة، لأنه لا أمن ولا أمان ولا نمو ولا حتى فرص عمل إذا لم تكن هناك دولة، معتبرا ان عنوان المعركة هو استعادة الدولة اللبنانية التي تتعرض للتآمل والتقاسم من قبل الأحزاب والميليشيات.