ويقول متابعون للشأن الليبي إن النفوذ التركي القطري في مدن الغرب الليبي يتراجع تحت ضغط تطورات عدة، أهمها أن مكونات المجتمع الليبي من قبائل ومجموعات سياسية وحزبية وشخصيات توصلت إلى قناعة بأنه لا يمكن تحقيق مصالحة وطنية فعلية دون تفكيك نفوذ الميليشيات الإسلامية التي تسيطر على طرابلس وتتلقى دعما قطريا وتركيا سخيا.
ويجد هذا التوجه الليبي تفهما دوليا واسعا خاصة بعد تجارب حكم الإسلاميين في مصر وتونس ودورهم في سوريا واليمن. وباتت دول مثل الولايات المتحدة، التي لم تخف حماسها لسيطرة الإسلاميين على موجة الربيع العربي، أكثر اقتناعا بأن هذه الجماعات لا تستطيع أن تكون شريكا في أي انتقال سياسي، وأنها توظف الديمقراطية للسيطرة على الحكم ومؤسسات الدولة.
وتوجد قرائن كثيرة على أن جماعات الإسلام السياسي، التي سوقت لها الدوحة وأنقرة، ارتبطت بشكل أو بآخر بالإرهاب سواء عبر المشاركة الفعلية أو بتقديم التسهيلات لشبكاته وحماية أنشطتها، وخلق مناخ مساعد لها في الاستقطاب والتجنيد.
وعملت الدول الكبرى، التي تدعم الحلّ السياسي في ليبيا، على تحييد الدور القطري والتركي، ما يكشف قناعة بأن هذا الدور يعيق أي انتقال جدي ودائم، وأن فشل اتفاق الصخيرات لحل الأزمة الليبية يعود في جزء كبير منه إلى تلاعب الأحزاب والميليشيات الإسلامية ببنود هذا الاتفاق وتأويله وفق مصالحها، والعمل على استمرار الأزمة دون حلّ بما يبرر بقاءها.
وباتت أنشطة قطر وعلاقاتها وتمويلاتها تحت رقابة دولية مشدّدة بعد الملفات التي أماطت اللثام عنها الدول الأربع المقاطعة، عن شبكات الدعم القطري لجماعات الإسلام السياسي.
وتمّ استبعاد أنقرة إلى حدّ ما من عملية السلام، كما لوحظ في نوفمبر الماضي خلال محادثات سلام في باليرمو بإيطاليا. وضعف موقف تركيا عندما أجبرت على الانسحاب من المؤتمر بعد عدم دعوة مندوبيها إلى اجتماع مهم.
ويقول المحلل السياسي التركي أرغون ياباهان إنه لا يوجد الكثير الذي يمكن لتركيا أن تفعله في ظل الظروف الراهنة، وإنها وإن كانت تستمر في دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فإنها تفتقر إلى القوة لتغيير ميزان القوى لصالحها.
وقام وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ورئيس الأركان يشار غولر بزيارة في الآونة الأخيرة إلى طرابلس، لكن تلك الاجتماعات لم يكن لها تأثير دولي يذكر. وكان الأكثر أهمية الاكتشافات المتكررة لسفن تحمل أسلحة مهربة إلى ليبيا من تركيا.
ويقول ياباهان في مقال بموقع أحوال تركية إن الدول العربية التي تدعم حفتر تعتبر جماعة الإخوان المسلمين عدوا كبيرا على مستوى إقليمي، وتعتبر تركيا الداعم لها، مشيرا إلى أن الحكومة التركية أصبحت منخرطة بشدة مع الإخوان المسلمين، وأن الدبلوماسية التركية تدفع الثمن، حيث أصبحت تركيا تعرف بأنها مموّلة لجماعات متطرفة.
وفيما يضيق الخناق على الميليشيات الإسلامية في طرابلس، ويتراجع دعم حلفائها تحت ضغوط دولية شديدة، فإن الهجوم الذي يقوده المشير خليفة حفتر لاستعادة العاصمة طرابلس يتم النظر إليه إقليميا ودوليا كضرورة لا بد منها لتفكيك تلك الميليشيات التي تعمل ما في وسعها لإطالة الانقسام.
ويقول محللون إن ردود الفعل الدولية تجاه الهجوم لا تعكس حقيقة تفكير تلك الدول وخاصة الدول الكبرى التي قد تغمض الأعين على عملية حاسمة في العاصمة الليبية، خاصة أن الأمر لا يتعلق بترتيبات ليبية داخلية فقط، بل كونها خطوة ضرورية في مساعي تطويق أنشطة الجماعات الإرهابية في المنطقة، وهي أنشطة تهدد شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، فضلا عن أمن أوروبا.
ويعتبر جليل حرشاوي، الزميل الباحث في معهد كلينجنديل للعلاقات الدولية في لاهاي، أنه “رغم أن أيا من الرعاة الأجانب وراء حفتر لا يشعرون بالرضا على الأرجح عن التدهور المفاجئ، فليس أمامهم خيار سوى مواصلة مساندته. فهم يركزون أغلب رهاناتهم على شخصية رئيسية واحدة منذ ما يقرب من خمس سنوات. وهذا لا يمكن التراجع عنه بين عشية وضحاها”.