في وقت يعاني اللبنانيون من الفقر والبطالة وانعكاس الحالة الإقتصادية الصعبة، ينشغل الداخل اللبناني بملفَّي النزوح السوري واللجوء الفلسطيني العَصيَّين على الحلّ.
تعب لبنان من كثرة تأليف اللجان الخاصة بمتابعة الأزمات، ومعروفٌ أنّ اللجان هي «مقبرة الحلول». وبعد الإنسحاب السوري عام 2005، شكّلت الحكومة اللبنانية لجنةً أُطلق عليها إسم «لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني»، وكُلّفت متابعة قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من كل جوانبها، وفي الموازاة، تطرّق الحوار اللبناني الداخلي الذي دار رحاه عام 2006 في مجلس النواب الى مسألة اللجوء الفلسطيني، وتمّ الإتفاق على جمع السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها.
بعد مرور 13 عاماً على إتفاق اللبنانيين، ما تزال المعسكرات الفلسطينية في الناعمة وقوسايا خارج سيطرة الدولة، كذلك لم يُنظَّم السلاح داخل المخيمات، والشاهد الأكبر على ذلك الإشتباكات التي تحصل بين فترة وأخرى في مخيمَي عين الحلوة والمية ومية جنوباً.
وفي وقت يُقال أنّ الوضع الإقتصادي والإجتماعي الصعب الذي يعيشه الفلسطيني في المخيمات يشكّل بيئة حاضنة للمخلّين بالأمن، علمت «الجمهورية» أنّ لبنان يتجه الى إجراءِ حوارٍ لبنانيٍّ- فلسطينيّ في محاولة للوصول الى نقاط مشتركة.
وفي التفاصيل، أنّ لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني برئاسة الدكتور حسن منيمنة ستدير هذا الحوار من الجانب اللبناني، وإشترطت اللجنة أن يكون هناك وفد فلسطيني موحَّد لكي لا يحصل الحوار مع كل فصيل على حدة.
ووجّهت لجنة الحوار الدعوة الى الفلسطينيين عبر السفارة الفلسطينية في لبنان، على أن يتألف الوفد الفلسطيني من 6 أعضاء يمثلون مختلف الفصائل الفلسطينية إضافة الى عضو سابع من منظمة التحرير الفلسطينية والسفير الفلسطيني في لبنان.
وفي السياق، فإنه بعد إتفاق الفصائل على الأعضاء السبعة، سيتمّ تحديد موعد الحوار، مبدئياً، وإذا لم تطرأ أيّ مفاجأة، في شهر أيار المقبل، في مقرّ لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في السراي الحكومي.
وتصرّ اللجنة على أن يتضمّن الحوار الملفات الإقتصاديّة والإجتماعية والمعيشية، من دون التطرّق الى الوضع السياسي الذي يُبحث بين الحكومة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، بينما يتابع الجيش والقوى الأمنية الملف الأمني داخل المخيمات وخارجها.
وحسب أرقام لبنانية رسمية، فإنّ القوة العاملة الفلسطينية لا تتعدّى الخمسين ألف عامل، ويعملون في معظمهم في السوق السوداء، أي من دون أوراق قانونية تخوّلهم العمل، وسيشكّل بندُ عمل الفلسطينيين داخل لبنان أحد أهم مرتكزات الحوار وذلك من أجل تخفيف الخناق الإقتصادي عليهم ولإيجاد متنفّس لهم.
ومن جهة ثانية، فإنّ النقطة الأساسية الثانية ستكون مسألة السكن، إذ إنّ المخيمات باتت تضيق بهم، وهي مكتظة، من هنا سيشمل الحوار هذه النقطة، وستُطرح في السياق أفكار عدّة أبرزها عقود الإيجار الطويلة الأمد من دون السماح لهم بالتملّك.
وينتظر الجانب اللبناني إتفاق الفلسطينيين على نقاط ومطالب محدّدة وموحّدة، مثل التعليم والإستشفاء وتأمين الخدمات الأساسية على سبيل المثال، لكي يكون الحوار مثمراً ويخرج بنتيجة عملية.
وتثير هذه الملفات المطروحة حساسيّة لبنانية كبيرة، وسط الخوف من التوطين، إضافة الى إدخال 50 ألف فلسطيني الى سوق العمل اللبناني بعدما أخذ النازح السوري مكان العامل اللبناني.
وفي السياق، يؤكّد رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة لـ«الجمهورية» أنّ «المخاوف اللبنانية مشروعة، وكل ما يُطرح جدير بالبحث، ونحن كلجنة نريد تنظيم الأمور لا إبقاءها بلا ضوابط». ويشير الى أنّ «الفلسطينيين يعملون بلا تنظيم ودفع ضرائب للدولة مثل بقية الأجانب، فأيهما أفضل: إبقاء وضعهم هكذا أو إستفادة الدولة ومعرفتها بما يعملون».
ويقول جازماً: «لن نسمح للفلسطيني أن ينافس اللبناني في المهن التي يعمل بها شبابنا، همُّنا شعبنا بالدرجة الأولى، والفلسطيني سيدخل الى المهن التي فيها نقص فقط لا غير».
ولا يوافق منيمنة على نظرية أنّ هذه الخطوات ستؤدّي الى التوطين، «لأنّ كل القصة هي إعطاء بعض المطالب الإنسانية فقط لا غير»، موضحاً «أنّ الدستور اللبناني ينص على منع التوطين، ونحن لا نرضخ لإرادة المجتمع الدولي إذا كنا موحَّدين».
يحاول لبنان الذي يواجه خطر الإنهيار، إيجاد حلول لأزمات هي من مسؤولية المجتمع الدولي، فقدّ مرّ على الوجود الفلسطيني في لبنان نحو 71 عاماً، ولا حلَّ يلوح في الأفق، بل إنّ الأمور تتجه نحو الأسوأ خصوصاً مع إعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبسيادة تل أبيب على الجولان، ومحاولة إتمام صفقة القرن ووقف واشنطن تمويل وكالة «الأونروا».
من هنا فإنّ الخوف اللبناني من التوطين يبقى قائماً الى حين عودة آخر لاجئ الى أرضه، أو إقرار حلّ شامل للقضية الفلسطينية يشمل لاجئي لبنان طبعاً.