في غمرة «الحراك النيابي» الذي يتراوح بين المساءلة و«المشاركة» وصولاً إلى تشريع، يتجاوز الضرورة إلى فتح الطريق أمام قرارات الحكومة و«سيدر» وخطة الكهرباء، وعلى مسمع الوزير القبرصي وقبل وصول الرئيس اليوناني اليوم، والذي يحمل معه دعوة إلى الرئيس ميشال عون لحضور الاجتماع بين رؤساء لبنان واليونان وقبرص، حملت الحركة السياسية تحذيرين: الأوّل من الرئيس سعد الحريري، استحضر النموذج اليوناني، وهو يحذّر من استمرار المزايدات، داعياً إلى قرارات صعبة ستتخذ على صعيد الموازنة تنقذ البلد، بهدف.. منع ان يحصل في لبنان ما حصل في اليونان.
والتحذير الثاني، جاء على لسان الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، وينطوي على بعدين محلي ودولي- إقليمي. في الشق المحلي، خيَّر السيّد نصر الله اللبنانيين بين إبقاء البلد بدائرة السلام الداخلي أو الاستجابة لمن يجرهم إلى الفتنة.. مستغرباً.. وجود لبنانيين في واشنطن يعملون في اتجاه وضع حلفاء وأصدقاء حزب الله على لائحة الإرهاب.
وأضاف نصر الله «صحيح نحن حتى الآن أمام لوائح الإرهاب وأمام العقوبات نكتفي بالإدانة وبالاستنكار وبالتنديد وبالصبر وبشد الأحزمة وبإدارة الوضع ولكن هذا لا يعني أننا لا نملك أوراق قوة مهمة وأساسية. أنا لا أتحدث فقط عن حزب الله إنما أتحدث أيضا عن كل محور المقاومة».
وتابع في كلمة له امس في يوم الجريح بحضور العشرات من جرحى حزب الله «نحن نملك الكثير من أوراق القوة والكثير من عناصر القوة ولكن نحن حتى الآن لم نقم برد فعل... لكن هذه ليست سياسة دائمة وثابتة. هناك إجراءات إذا اتخذها الأميركي من يقول أنها ستبقى بلا رد فعل».
ومضى يقول «عندما يحتاج الإجراء إلى رد فعل سيكون هناك رد فعل مناسب قطعا وحتما» مشيرا إلى أن إيران وحلفاءها لديهم «الكثير من أوراق القوة».
وفي سياق متصل، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الرئيس دونالد ترامب سيواصل زيادة الضغط على إيران لكنه امتنع عن التعقيب على إمكانية تقديم إعفاءات للدول التي تستورد النفط الإيراني.
وأبلغ بومبيو لجنة بمجلس الشيوخ الأميركي بأنه ليس لديه أي تصريحات بشأن إعفاءات.
وقال «أستطيع أن أطمئن بقية العالم بأن الرئيس ترامب سيواصل الضغط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية حتى يتغير سلوكها».
هذا ورأى وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن «إيران قد تلجأ إلى وضع أنظمة صواريخها داخل لبنان وخطر التصعيد بين حزب الله وإسرائيل حقيقي».
وسط، هذه الأجواء الضاغطة، يعقد مجلس الوزراء جلسته العادية اليوم في السراي الكبير، وهو لن يتطرق إلى «تعيين نواب حاكم المصرف المركزي، بسبب عدم التوافق على سائر الأسماء المرشحة».
وعند الساعة 12.30 ظهراً، يترأس الرئيس الحريري اجتماعاً للجنة الوزارية المكلفة بموضوع النفايات.
«الموازنة الصعبة»
في هذا الوقت، انتقل اهتمام الحكومة بعد الكهرباء إلى التحضير لدرس وإقرار مشروع موازنة العام 2019، والذي سيكون تقشفياً بامتياز، ويتضمن إجراءات كبيرة جداً، بحسب تعبير عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فياض، غير ان توقيت طرح المشروع على مجلس الوزراء ما يزال يحتاج إلى تغطية سياسية نظراً للقرارات الكبيرة التي سيتضمنها المشروع، والتي وصفها الرئيس سعد الحريري بأنها ستكون «صعبة»، وانه لهذا الغرض يريد الوصول إلى اتفاق سياسي يشمل سائر مكونات الحكومة، إلا انه ليس معروفاً بعد ما إذا كان هذا الاتفاق السياسي الذي يسعى إليه الحريري سيكون عبر لقاء يجمع القيادات السياسية، أو من خلال مشاورات بدأها أمس مع الرئيس نبيه برّي في أعقاب انتهاء جلسة المساءلة النيابية، بعدما كان التقى ليل أمس الأوّل رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في «بيت الوسط».
وعلم ان خلوة بري- الحريري التي حضر جانباً منها وزير المال علي حسن خليل تركزت بصورة أساسية على ضرورة تسريع إحالة مشروع الموازنة، على مجلس النواب لاقراره. وقد استوضح الرئيس برّي من رئيس الحكومة عمّا قاله داخل القاعة العامة عن ان إنجاز الموازنة يلزمه أسابيع، فرد الحريري بأن المقصود من مهلة أسابيع تشمل الحكومة والمجلس معاً..
ووفق المعلومات، فإن الوزير خليل احضر معه إلى الاجتماع ملف الموازنة كاملاً، وجرى البحث على مدى45 دقيقة في التفاصيل، وطبيعة الإجراءات التي ستتخذ، وبينها تخفيض رواتب الموظفين إلى جانب رواتب الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين.
وأوضح الحريري، بعد الاجتماع بأنه «يعمل مع معظم الأطراف السياسية من أجل ان يكون هناك إجماع كامل على الموازنة، خاصة وانه علينا ان نتخذ قرارات صعبة، معرباً من خوفه بأن يحصل في لبنان ما حصل في اليونان عام 2015 حين أعلن عن إفلاس هذا البلد الأوروبي، الا انه استدرك مؤكداً بأن هذا الأمر يجب ألا يحصل ولا داعي للخوف لأننا سنقوم بإجراءات تنقذ البلد من أي مشكل اقتصادي، من دون ان يوضح طبيعة هذه الإجراءات باستثناء قوله انها «ليست كبيرة كثيرا، ولكن قاسية قليلا، نتحملها سنة او سنتين لإنقاذ الإقتصاد، ثم تعود الامور كما كانت».
وعما إذا كان هناك من يرفض هذه الإجراءات، اجاب: «حتى الآن هناك نقاش يجب ان يحصل، والموازنة هي سلسلة إجراءات لمصلحة المواطن اللبناني ونقطة على السطر».
ودعا الحريري إلى وقف المزايدات على بعضنا البعض ونبحث في مصلحة البلد المالية والاقتصادية وكيف سنحقق نمواً في الاقتصاد».
جلسة المساءلة
اما جلسة المساءلة النيابية، فلم تكن ذات وقع ثقيل على الحكومة، التي تمكنت من اجتياز أوّل امتحان لها بسهولة، بالنظر إلى كون الأسئلة النيابية الـ13 غير ساخنة، وتعالج بمعظمها الوضع البيئي والتوظيف العشوائي وبطء المحاكمات وبسبب ان معظم النواب ولا سيما الجدد منهم لم يكونوا على دراية بالنظام الداخلي للمجلس، وآلية انعقاد جلسة الأسئلة والأجوبة، وقد بذل الرئيس برّي جهداً لشرح هذه الآلية، خاصة وانه لاحظ ان الغالبية لا تفرق بين هذه الجلسة وباقي الجلسات التشريعية، ما أحدث بعض الفوضى استدعت تدخلاً متكرراً لمطرقة الرئاسة في محاولة لضبط إيقاع الجلسة والحؤول دون انحرافها عن مسارها القانوني.
وفيما عدا ذلك، بقيت الجلسة تحت السقف العادي، ولم يخرقه أي جدال حاد باستثناء ما حل بين الرئيس الحريري والنائبة بولا يعقوبيان على خلفية معالجة النفايات من المصدر.
ومن خارج الأسئلة المكتوبة، طرح النائب الكتائبي نديم الجميل مسألة رسم الحدود اللبنانية- السورية، فرد عليه الرئيس الحريري بأن تلال كفرشوبا ومزارع شبعا لبنانية ونقطة على السطر، وسنسترجعها بكل الوسائل المشروعة، بحسب البيان الوزاري، فيما افاض برّي بالرد حيث قدم مطالعة تاريخية عن المزارع الـ14 التي يملكها لبنان مسجلة بأسماء لبنانية منذ أيام الأتراك إلى الانتداب الفرنسي، مؤكدا على ضرورة إجراءات محادثات بين لبنان وسوريا حولها.
اما في شأن التوظيف العشوائي، فقد علَّقه الرئيس برّي لمزيد من الدرس، في حين أكّد الرئيس الحريري ان الموضوع شائك، وهو لم يكن توظيفاً انتخابياً أو سياسياً، مشيرا إلى ان كل القوى السياسية تدخلت ووظفت، خصوصاً في «اوجيرو» متعهداً بإقفال باب التوظيف الاستثنائي في الموازنة المقبلة.
ورد بري: «ما تخلي حدا يغشك، لدى مجلس النواب ارقاماً زودني بها النائب إبراهيم كنعان تُشير إلى توظيف 5000 شخص بمعزل عن العسكريين، وسيتم التأكد من التزام قرار عدم التوظيف».
ولوحظ ان أحداً من النواب الذي قدموا أسئلة للحكومة، لم يحول سؤاله إلى استجواب، في إشارة إلى اقتناعهم بجواب الحكومة، إلا انه تردّد ان النائب يعقوبيان طلبت تحويل سؤالها إلى استجواب، غير انه لم يتم التأكد من ذلك، كما لوحظ ان نواب «حزب الله» لم يحركوا ساكناً على مدى انعقاد الجلسة باستثاء النائب علي المقداد الذي سأله شفهياً عن التعويضات لمتضرري السيول في منطقة البقاع.
وكان الرئيس برّي دعا في مستهل الجلسة إلى جلسة تشريعية الأربعاء المقبل. يفترض ان يوضع على جدول أعمالها مشروع قانون الحكومة لتعديل وتمديد القانون 288 المتعلق بعمل هيئة المناقصات وبما يخضعها لقانون المحاسبة العمومية.
العقوبات الأميركية
في غضون ذلك، شهدت العاصمة الأميركية واشنطن، حضوراً لبنانياً واسعاً، على مستويين حكومي ونيابي، كان موضوعه الأساسي العقوبات الأميركية الى جانب موضوع النازحين السوريين والاصلاحات المالية، وتمثل هذا الحضور بالمحادثات التي أجراها نائب رئيس الحكومة غسّان حاصباني، في كل من البيت الأبيض ووزارتي الخزانة والخارجية الأميركية إضافة إلى صندوق النقد الدولي، وكذلك بانضمام وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش إلى هذه اللقاءات مع وصول وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان الذي استضافه البنك الدولي إلى طاولة مستديرة نظمها البنك في العاصمة الأميركية، في الوقت الذي كان فيه الوفد النيابي يواصل لقاءاته مع المسؤولين الأميركيين بدءاً من البنك الدولي وصندوق النقد والكونغرس، وهو يضم رئيسي لجنتي الخارجية ياسين جابر والمال إبراهيم كنعان.
وسيكون لهذا الوفد لقاءات مهمة اليوم في وزارة الخزانة، تتصل بصورة خاصة بموضوع العقوبات حيث قالت مصادره ان ما خرج به الوفد حتى الآن حول هذا الموضوع يناقض مع التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن عقوبات مرتقبة تستهدف مسؤولين لبنانيين على علاقة أو تحالف مع «حزب الله» مثل الرئيس برّي، واعتبر النائب كنعان هذا الحديث بأنه «حرتقات».
وقال النائب جابر، في هذا الخصوص، انه لم يلمس في واشنطن أية إمكانية عن احتمال فرض عقوبات أميركية على برّي، مشيرا إلى ان الأميركيين ينظرون إلى الرئيس برّي بأنه رجل معتدل، وكل ما يُحكى هو شائعات.
إلا ان المصادر أقرت بأن واشنطن تتجه إلى فرض المزيد من العقوبات على «حزب الله» وإيران والجهات الداعمة لهما، غير ان هذه العقوبات لن تطال مؤسسات لبنانية ولا المصارف ولا الجيش اللبناني، وهي الركائز الثلاث التي تقوم عليها الدولة اللبنانية.
وذكرت O.T.V انه خلال جلسات المؤتمر البرلماني الدولي للبنك وصندوق النقد الدوليين عرضت المسؤولة عن برامج الاستثمار التربوي في البنك الدولي فكرة إدخال النازحين السوريين في البرنامج المطروح لسنة 2025، فتدخل النائب كنعان وطلب سحب الاقتراح وهكذا كان.
«طريق الفينيقي»
على خط آخر، عقد امس، الاجتماع الثلاثي لوزراء خارجية لبنان واليونان وقبرص، جبران باسيل ونيكوس كريستودوليدس وجورجيوس كاتروغالوس، في وزارة الخارجية، لبحث مجالات التعاون الثلاثي بين هذه البلدان التي تتشارك حوض المتوسط ووفق مشروع «طريق الفينيقي» المتضمن اقامة خط تعاون بين الدول الثلاث لا سيما عبر البحر في مجالات التبادل التجاري والسياحي والتربوي والثقافي.
وأعلن الوزير باسيل، بعد الاجتماع «اطلاق المسار الثلاثي بين لبنان وقبرص واليونان». مؤكدا التزام لبنان بالقرار 1701 ورفض القرار الاميركي في ما خص الجولان». واكد انه «لا يجوز أن يبقى لبنان وجاراه في الجغرافيا من دون تنسيق مميز سياسي واقتصادي، وعلى رأس جدول الاعمال السياسي كانت عودة النازحين السوريين. ولا يجوز للبنان ان يتحمل تبعات الحل وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته، وقد سمعنا موقفا متقدما جدا من قبرص واليونان بشأن موضوع النازحين».
وأعلن ان الوزراء الثلاثة وضعوا امامهم مهلة حتى 7 أيّار لإنهاء الاتفاقيات بين الدول الثلاث في مجالات السياحة والتبادل التجاري والاستثمار والتعاون الثقافي، تحضيراً لقمة ثلاثية تعقد في قبرص بين الرؤساء الثلاثة لتوقيع هذه الاتفاقيات.
واوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» ان محادثات الرئيس ميشال عون والوزير القبرصي تركزت على مواضيع النفط والغاز والسياحة لاسيما السياحة الدينية مشيرة الى انه جرى التأكيد على ضرورة ان يشمل خط قبرص - اليونان لبنان.
وافادت انه جرى الحديث عن تعزيز الرقابة البحرية لاسيما منع تسلل الارهابيين بإتجاه اوروبا كذلك برزت مصلحة مشتركة في منع توجه النازحين الى اوروبا وانه لا بد لقبرص في ان تبذل جهدا لدعم موقف لبنان من ملف النازحين في الاتحاد الاوروبي.
واشارت الى ان الاجتماع الوزاري اليوناني - اللبناني - القبرصي الذي انعقد في وزارة الخارجية هو من يحدد برنامج الاجتماع بين رؤساء لبنان واليونان وقبرص وكذلك بالنسبة الى موعد حصوله.
وعلم ان الرئيس اليوناني الذي يبدأ اليوم زيارة الى لبنان سيحمل دعوة الى رئيس الجمهورية الى هذا الاجتماع.
وعلم انه في خلال محادثات الرئيس عون مع الوزير القبرصي اثير موضوع اعادة اطلاق اتفاقية التوحيد الضرائبي.