يا له من انتصار تاريخي، يا له من يوم مجيد، يا له من إعجاز فريد غير مسبوق في الأمم والدول، ويا لها من سعادة غامرة، وفرحة عامرة دخلت بيوت اللبنانيين، ليكون هرج ومرج الى درجة أننا لم نعرف من الذي كان يرقص أهل البيت أو اللمبات وقناديل الكاز، كما لم نعرف من الذي يزعق بالتغاريد فرحاً، ومن يطلق رصاص البواريد ابتهاجاً، بعدما اتفق أسيادنا الأكارم في مجلس الوزراء، ووافقوا على ان يذهبوا الى إكتشاف هائل هو “إدارة المناقصات”، لبت تلزيم ما يسمونه خطة الكهرباء الموضوعة منذ تسعة أعوام تحديداً في 2010، واستمرّ القتال حولها كل هذا الزمن لأنها مثل نظرية أرخميدس مثلاً!
لا يتسع المجال سيدي القارىء هنا لكلام خارج سخرية الألم، ولست أدري إذا كان إيمانويل ماكرون إصطحب زوجته بريجيت الى عشاء فخم إحتفاء بإتفاق اللبنانيين على الخطة، بما يساعده على إستنقاذ “مؤتمر سيدر” الذي تبناه وتحمّس له لأن نجاحه مرهون بتفاهم اللبنانيين على خطة للكهرباء تذهب أخيراً، الى إدارة المناقصات وفي أدغال أفريقيا كهرباء وإدارات للمناقصات!
لن أقول مبروك، ولن أقع في شرك قديم إسمه ٢٤/٢٤، فقد عشنا وشفنا من العتمة وإنقطاع الكهرباء، ما يكفي لأن يغشى على عيوننا والقلوب، فمن المبكّر الحديث عن ٢٤/٢٤، لننتظر حتى السنة المقبلة فالكهرباء ليست كوني فكانت طبعاً، ومن الآن لتكون فعلاً يخلق الله من الفولتاج ما قد ينير ليالينا، وما قد يدفعنا الى العصر الحجري وقدح الصوّان!
أول وزير للكهرباء في لبنان كان كامل الأسعد [١٢/ ٦/١٩٦٦ – ٤/٩/١٩٦٦]، ومنذ ذلك التاريخ تعاقب على مؤسسة الكهرباء 40 وزيراً، لست في حاجة الى تعدادهم، لكن منذ جاء الى الوزارة جورج افرام وأطلق شعار ٢٤/٢٤ بعد أعوام الحرب البائسة تبعه ١٤وزيراً منهم من شغل وزارتين وأكثر، لكنهم كلهم كرروا فور وصولهم ما سمعناه أمس ٢٤/٢٤.
هل تذكرون ايلي حبيقة والياس طرابلسي ومحمد يوسف بيضون ومحمد فنيش ولا داعي لتعداد كل الأسماء، لكن القتال إستمر دائماً لأن هناك جبنة لذيذة يأكل منها كثيرون: مستورد الفيول ومعاملنا على الغاز [دليل نباهة] ويأكل منها الذي يستأخر الفيول ليهددنا بالعتمة ليضاعف الأسعار، ويأكل منها الذي يعلّق على التيار وإذا طالبته علق لك المشنقة، ويأكل منها أصحاب المولدات شركاء البلديات وحماتهم الزعماء والذين منهم يعلّق على الشركة خلسة ويبيع المشتركين، ويأكل منها الكبير والصغير، ولا جباة في المؤسسة وظّفوا شركات خاصة للجباية، لا عمال فيها وظفوا ازلامكم! هل تعرفون ان كل شركات الكهرباء تحقق أرباحاً هائلة، وان الطاقة صارت تستمد من الشمس والهواء والماء وحتى من الحركة، لكنكم تعرفون طبعاً ان مؤسسة الكهرباء كبّدتنا ثلث الدين العالم أي أكثر من ٣٤ مليار دولار وكانت كافية لإضاءة الأرض والمريخ!
الآن يقولون لنا عفا الله عما مضى، ويعدوننا مرة أخرى بـ ٢٤/٢٤، حسناً دعونا لمرة واحدة نصدق لكن لننتظر، مع ان الحلّ الأمثل كان يقضي ببيع مؤسسة الكهرباء خردة بالية، وترك القطاع الخاص يتنافس كما في بلاد العالم، لنحصل على كهرباء جيدة بأسعار رخيصة، ونوفّر على البلد الخسائر الفادحة ورائحة الجبنة المسروقة!