لا يخفي المراقبون والديبلوماسيون الذين يتنقلون ما بين بيروت وواشنطن، الحديث عن بعض الرهانات اللبنانية الخاطئة على حجم اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بملفات لبنان الداخلية ومداه، وحول كثير من التفاصيل التي يتحدثون عنها في شكواهم امام الموفدين الأميركيين ظناً منهم انّ في قدرتهم تغيير الحال للإنتقال من واقع الى آخر.
فالإدارة الأميركية، حسب عائدين أخيرا من واشنطن، تستعد لمواجهة كثير من الإستحقاقات الداخلية الكبرى في الأيام المقبلة، والتي ستستمر ربما لأشهر موصولة بدخول البلاد في مدار إنتخابات الكونغرس الأميركي مع اقتراب عام التجديد للرئيس دونالد ترامب لولاية ثانية على وقع الملفات الكبرى التي شغل الأميركيين بها.
وهو واقع سينهك هذه الإدارة ويحول دون اهتمام مسؤوليها الكبار بالملفات الخارجية، ما سيدفعها الى حصر الإهتمام بها لدى السفارات وقيادة المنطقة الأميركية الوسطى في الشرق الأوسط ورؤساء المكاتب الفرعية في الوزارات واللجان الفرعية في الكونغرس.
ويقول زوار واشنطن إنّ فريق ترامب والمسؤولين في وزارات الخارجية والداخلية والعدل سينهمكون مطلع الأسبوع المقبل بمضمون تقرير المحقق مولر في شأن الدور الروسي في الإنتخابات الرئاسية الأميركية الذي سينشر الإثنين المقبل.
وهو تقرير يفيض على 350 صفحة عدا عن الوثائق ومجموعة التحقيقات التي أجراها وفريقه مع المسؤولين الكبار في تلك الفترة، ولا سيما منهم مَن تولّوا المسؤولية الى جانبه في الانتخابات من رجال قانون واعمال وسياسيين ومن قادة الحزب الجمهوري.
ولذلك، يقول هؤلاء الزوار إنّ مردّ الإنهماك يعود الى ما تكشّف من حقائق تحدث عنها مولر في تقريره ولم يلحظها الملخص الذي قدمه وزير العدل وليم بار الى البيت الأبيض، واختار فيه جوانب من التقرير للإيحاء بالبراءة الكاملة علماً انها لم تكن براءة بالحجم الشامل، وهو وإن اثبت براءته في بعض المجالات فقد أدانه في أخرى.
وفي المعلومات المتداوَلة انّ تقرير بار اقتصر على المبادئ العامة من دون الغوص في كل التفاصيل، وهو انتقى من التقرير الاساسي ما يمكن ان يكون لمصلحة ترامب والقريبين منه، فإتهم باستعجال إثبات البراءة قبل ان يعاود قراءته مجدداً لتكون إحاطة شاملة بمضمونه واعداد جردة بالإتهامات التي نال براءته من بعضها ومن مسلسل الإتهامات التي لاحقته منذ دخوله البيت الأبيض مطلع 2017، وتلك التي تدينه وادّت الى موجة من الإقالات والإستقالات التي لم تنتهِ بعد باستقالة وزيرة الأمن القومي كريستين نيلسن قبل ايام.
فوزير العدل الاميركي واجه معارضة قوية رفضاً لمضمون تقريره المختصر ومطالبة اعضاء من الحزبين الديموقراطي المعارض والجمهوري الموالي بتقديم التقرير كاملاً على رغم من الحاجة الى «تنقيحه» وشطب مقاطع وفقرات منه، يُعتقد انها تمسّ الأمن القومي الأميركي ولا يجوز السماح بنشرها أو تعميمها، وهو أمر أوصى به مولر شخصيا عندما رفض الإجابة على عدد من الأسئلة التي تطاول الأمن القومي ومصلحة الولايات المتحدة التي تتجاوز ملف إدانة او تبرئة ترامب او أيّ مسؤول اميركي آخر ايّاً كان موقعه، بالإضافة الى ضرورة منع نشر افادات الشهود السرّيين الذين نالوا الحماية المسبقة قبل الكشف عن وثائق ومعلومات بالغة الدقة قادت مولر الى انجاز مهمته على رغم العوائق التي إعترضت طريقه.
والى هذه القضية التي ستشغل الرأي العام الأميركي وادارة ترامب، الى انتخابات الكونغرس الأميركي في اطار مخطط اكبر لإيصاله الى رئاسته وهو امر جدي، كان بومبيو بدأ البحث فيه خلال جولة مشاورات يجريها في قواعد الحزب الجمهوري ومجموعة من اللقاءات الشعبية قبل زيارته الى بيروت.
ويؤكد زوار واشنطن انّ الإدارة الأميركية التي ستنشغل بهمومها الداخلية ستخفف من اهتماماتها الخارجية وهو ما سيلمسه الوفد الوزاري والنيابي والمصرفي اللبناني الذي سافر الى واشنطن للمشاركة في اجتماعات البنك الدولي، وسيحصر اهتماماته بالشؤون المالية والإقتصادية فقط ولن يكون له ايّ اجتماع خارج هذا الإطار.
فمكاتب البنك الدولي ووزارة الخزانة الأميركية ستستقطب جهود الوفد الذي يطمح الى لقاءات محدودة يسعى سفير لبنان في واشنطن غابي عيسى لترتيبها، على رغم علمه المسبق باستحالة ترتيب أيّ مواعيد على أيّ مستوى ديبلوماسي أو سياسي آخر رفيع المستوى.
وما بين هذه الوقائع وما يطمح اليه المسؤولون اللبنانيون هناك بون شاسع يساوي ما بين الحقائق من جهة والأوهام من جهة أخرى، وما عليهم سوى العودة الى بناء ما يمكن بناؤه في الداخل لتجنّب المزيد من العقوبات والإجراءات المشددة المطلوبة منه ولا سيما منها تلك المتصلة بما يسمونه الإجراءآت المالية والإدارية غير الشعبية، وتلك الموجعة شرط ان ينجحوا في إفهام اللبنانيين انّ هذه الأمور ضرورية وواجبة وستكون شاملة الجميع بلا إستثناء.
والأهم عدم تكرار ما يحصل من استنسابية في فتح ملفات الفساد وفي مقاربة التعيينات الإدارية والمالية والعسكرية بما يقدّم الكفاية على المحسوبية والمحاصصة، وهو امر يبدو الرهان عليه أصعب من عودة الكهرباء 24 على 24 ساعة في وقت قريب.