لقد ضمنَ الإسلام الكثير من الحقوق السياسية بإعتباره دينًا متكاملًا، ومن تلك الحقوق حق معارضة النظام الحاكم ونجد أفضل تجسيد كان في زمن الإمام علي عليه السلام مع معارضيه و تستحق أن تكون نموذجًا لكل السياسيين وخصوصًا العرب والمسلمين أو من يدّعون ذلك في التعاطي معارضيهم السياسيين فنجد أن الإمام قد تعامل مع من لم يبايعه أو مع من عارضه في صورةٍ قلَّ أن تجد لها مثيلًا في التاريخ، فقد سمح بحرية المعارضة بشرط عدم الإساءة للأمة ومصالحها.
ويقول الإمام في هذا الصدد: "فمن بايع طائعًا قبِلتُ منه، ومن أبى تركته ،فلم يقتلهم أو ينكِّل بهم مع قدرته على ذلك إلا أنه أبى عن ذلك، وبذلك يكون قد أسس لأول معارضة سياسية في الإسلام".
إقرأ أيضًا: النص الديني بين الإستغلال السياسي والإجتماعي!!
ثم نرى موقفًا لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب في تعامله مع الخوارج فقد تركهم ينظمون أنفسهم كحزب معارض ولم يقاتل إلا بعد أن إعتدوا على الأبرياء وقتلوا وبقروا بطون الحوامل وهتكوا الأعراض وسرقوا الأموال عندها قاتلهم وبعدها أمر أن لا يقاتلهم أحد لأنهم طلاب حق ضلوا السبيل فقال ألا عندي لكم ثلاث خصال: ما كنتم معنا لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها إسم الله، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا، فالتمعن في مقولته عليه السلام نرى أنه منحهم حق المعارضة السلمية وإنتقاد الحاكم.
وقد وصف أحدهم علياً عليه السلام في تعامله مع الخوارج: "أفلا ترى أنّ عليا رأى للخوارج في الفيء حقـاً، ما لم يظاهروا الخروج على الناس، وهو مع هذا يعلم أنهم يسبونه ويبلغون منه أكثر من السبّ، إلا أنهم كانوا مع المسلمين في أمورهم ومحاضرهم. حتى صاروا إلى الخروج فيما بعد".
إقرأ أيضًا: هل يخطط حزب الله لبدء الحرب؟
وأعطى الإمام علي عليه السلام الحق الإعلامي للمعارضة السلمية ولهم أن يتكلموا بل علمهم أساسًا سياسيًا في التحدث والتصدي للطغاة واعتبرها أعظم الجهاد عندما قال (وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كنفثة في بحر لجي، ...، وأفضل من ذلك كله كلمة حقٍ عند إمام جائر).
وهو بذلك قد علّم الأمة ان لا تصنع طغاتها وأن لا تكيل للحكام بالألقاب فيتفرعنوا ويصبحوا طغاة ونجده يضع لنا نظامًا للتعامل مع الحكام وقال فلا تثنوا بجميل ثناء لإخراجي نفسي إلى الله سبحانه وإليكم من البقية في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لا بد من إمضائها فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة ولا تتحفظوا بما يتحفظ به عند أهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي إستثقالًا في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فلا تكفوا عن مقاله بحق أو مشورة بعدل.