بعد الهجوم الحاد الذي شنّه اللواء عصام أبو جمرا (أحد أركان حكومة الرئيس ميشال عون العسكرية عام ١٩٨٩) على الرئيس ميشال عون مُتّهماً إياه بتحويل حكمه إلى حكم السلطان والعائلة، وساخراً من ادّعاء جبران باسيل باسترداد حقوق المسيحيين، بأنّه إنّما يستردها كما سبق لعمّه (ميشال عون) باسترداد حقوق المسيحيين في الشرق حتى "صاروا بجنهم)، إلى إعلان مجموعة سياسية كانت ناشطة في التيار الوطني الحر خلال ربع قرنٍ مضى، عزمها على تأليف تيار سياسي مُغاير لتيار الإصلاح والتغيير الذي أنشأه الجنرال عون وبات اليوم في عهدة صهره الوزير جبران باسيل، وذلك على خلفية ما آلت إليه الأوضاع السياسية للتيار وعلى ضوء ممارساته في الحكم والإدارة بعد استلام وزارات سيادية وخدماتية ووصول الجنرال عون إلى سدة الرئاسة الأولى.
إقرأ أيضًا: النظام اللبناني والانهيار.. لا مفرّ من وصاية أجنبية
يمكن تسجيل ملاحظة مهمة تختص بقيام بعض المنشقين عن التيار الوطني الحر فُرادى وجماعات بإعلان خروجهم على نهج الوزير جبران باسيل وشخصه، دون التّعرّض لبؤس التجربة "العونيّة" وخوائها وفقرها الإيديولوجي المُزمن، ولم يجرؤ أحدٌ منهم على الاعتراف بخيبتها من بدايتها الى نهايتها، فالجنرال عون لم يُقدّم يوماً رؤيا سياسية واضحة لهوية لبنان ومصير كيانه وسيرورة نظامه، فهو لم يقُم سوى بمغامرات عسكرية لا أُفق مُحدّداً لها، ولم تنتظم تجاربه السياسية قبل الحكم وبعده في عقيدة راسخة يمكن الدفاع عنها، لا بل حكمت معظم هذه التجارب التناقضات والغوغائية وانعدام المصداقية، فهو لم يبتدع على سبيل المثال، ما خلّفه ميشال عفلق في عقيدة بعث "القومية العربية" ولا عقيدة أنطون سعادة في "القومية الاجتماعية السورية" وهو لم يرق إلى فكر إميل إدّة وشارل قرم في فكرة "القومية الفينيقية"، أو فكر ميشال شيحا وألفرد نقاش في فكرة "اللبنانية التجارية"، أو تجربة الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح في "اللبنانية العربية"، ولا الرئيس فؤاد شهاب في تجربته السياسية الإصلاحيّة، ولا تجربة الرئيس بشير الجميّل في "اللبنانية الخالصة".
لذا، كان لا بدّ من لمن يطمح للخروج من العباءة "العونية" أن يصوغ فكراً سياسياً جديداً وجديراً بالاحترام والقبول، مع نقدٍ صريحٍ وجريئٍ للتجربة العونية، والتي راهن عليها للأسف الشديد، جمهورٌ مسيحيٌ عريض وباتت اليوم في طور الاحتضار.
كان الشاعر الراحل احمد فؤاد نجم يقول عن اليسار المصري: "دول حالة ميؤس منها، بيتكلّموا كثير وما بيعملوش حاجة"، للأسف الشديد مرّةً أخرى، هذه حال العونية والعونيّين.