"التخيل"حاول بعض علماء النفس تفسير هذا الفيض النفسي بالفاعلية اللاشعورية فقال (هوفدينغ)(2): (إن القسم الأعظم من عناصر تخيلنا يتجمع تحت عتبة اللاشعور ، فترتسم خطوط الصورة في العقل الباطن قبل أن تنبثق وتظهر ، فهي إذن نتيجة شعورية لعمل لا شعوري).
إن الإشراق الساطع كثيراً ما يكون مسبوقاً بعمل تأملي وجهد فكري لقد قال (إجر-Egger) : (الوجدان من غير بحث دليل على البحث من غير وجود) وقال (هنري بوانكاره): "لا يكون العمل اللاشعوري ممكناً ومنتجاً إلا إذا سبقه وعقبه عمل شعوري ، ولا تشرق هذه الإلهامات السريعة على الإنسان إلا بعد جهود إرادية " إن الشخصية اللا شعورية تخترع المسائل التي بدأت بها الشخصية الشعورية وتحلها.
والعقل الباطن لا يستنبط شيئاً لم ترغب النفس عن كشفه،من نفس الكتاب. ولولا هذا العمل الشعوري السابق لما انتج العمل اللاشعوري اللاحق. إن تاريخ الفنون والآداب والعلم حافل بالمتأملين والمتخيلين الذين أبدعوا في مجالات عدة منهم (موزار) الذي أبدع مزماره الساحر وهو يلعب البلياردو (وغوته) في كتاب آلام فرتر: "صنفت هذا الكتاب وأنا غير شاعر به .كمن يمشي في النوم، فلما راجعته تعجبت منه كثيراً".
نستنتج من ذلك أن المعاني والصور تشرق على العالم أو الشاعر إشراقاً يخرجان بها عن حد الاختيار، كأن كلاً منهما آلة تترجم عن وحي يوحى. ويمكن القول أن التخمر البطيء ضروري للإبداع، وهو يقتضي عملاً شعورياً سابقاً ولاحقاً.