اليوم يقر مجلس الوزراء مبدئياً خطة الكهرباء، وهي خطة ملحة وضرورية منذ نحو ربع قرن. وعلى رغم انها غير ثورية أو متقدمة، بل أقل من عادية، لكنها تبقى حاجة، وان تأتي متأخرة خير من ألا تأتي أبداً، وتبقى العبرة في التنفيذ، وفي النهايات التي غالبا ما لا تسر في لبنان، اذ ان الخطط تذهب مع اصحابها لدى تبدل العهود، وتحمل كل حكومة خطة جديدة مستنسخة عن تلك التي سبقتها، مع اضافات بسيطة ربما، لتبرير المصاريف والنفقات التي تخصص للدراسات، وهي في حقيقتها اساليب حديثة للنهب ولتقاسم الخيرات.
اليوم تقر خطة الكهرباء، وفي طياتها نقاط كثيرة تثار حولها الشكوك وينبغي توضيحها لمزيد من الشفافية والاصلاح ولضمان التغيير الموعود.
اولا: لم يفهم الرأي العام اللبناني كيف تبرز حاجة الى أرض لبناء معمل عليها بقيمة 200 مليون دولار قبل ان يتبين لمؤسسة كهرباء لبنان انها تملك عقاراً كافياً للمرحلة الاولى من بناء معمل جديد. فهل ان التنسيق غير قائم بين المؤسسة والوزارة الوصية عليها؟ وهل ان صرف مبلغ المئتي مليون دولار ينسجم مع خطة التقشف والتوفير ومحاربة الفساد؟
ثانيا: ان الاصرار على عدم الرجوع الى ادارة المناقصات في كل ما يختص بخطة الكهرباء أمر يحتاج الى توضيح وتفسير، لانه حتى اذا كانت وزارة الطاقة قد وجدت فتوى تبيح لها التهرب من تلك الادارة، فان مسار العهد المتمسك علناً باعادة الاعتبار الى المؤسسات، يقتضي التزام القوانين بل تخطيها لاظهار مزيد من الشفافية داخلياً وامام المجتمع الدولي، وذلك بإخضاع كل المناقصات للادارة المختصة، ودفع الادارات الاخرى الى عمل مماثل. ان التهرب من ادارة المناقصات بحجج واهية، لا يتفق قط وما يدعيه العهد من التزام العمل المؤسسي، بل يوحي بان سياسة الصفقات وامرار العقود المشبوهة والتهرب من الرقابة، لا تزال تحكم عمل الوزارات، وان ما يحكى عن انماط مختلفة في العمل الحكومي ليس الا كلاماً انتخابياً واعلامياً.
ثالثا: ان عملية تعيين مجلس ادارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، وانشاء الهيئة الناظمة للكهرباء، سيضعان المسؤولين في الدولة، على كل مستوياتهم، أمام اختبار اعتماد نمط جديد في الادارة والحكم. فالعرقلة التي تحكم التعيينات يجب ان تزول، والمحسوبيات في الاختيار يجب ان تتراجع. واذا كانت حصص الطوائف والاحزاب قائمة فانها يجب ان تستند الى اختيار الافضل والاكثر كفاءة واختصاصاً، لا الاكثر ولاء حزبياً وتبعية عمياء.
ملف الكهرباء اختبار للرؤساء والوزراء ورؤساء الاحزاب وكل القيادات لتأكيد التزامهم نمطاً جديداً يعيد الاعتبار الى الدولة وينقذها من انهيار يكاد يصير محتوما مع لامبالاتهم وحساباتهم الصغيرة. فهل ينجحون؟