يمرُّ لبنان بمرحلةٍ سياسية دستورية خطيرة وحساسة ، وخاصةً بعد أن إستقال الرئيس نجيب ميقاتي وخلف وراءهُحكومة تصريف أعمال وشللاً كبيراً يؤثر سلباً وفراغاً في مؤسسات الدولة الدستورية والرسمية والأمنية وخاصةً أنّ اللبنانيون مقبلون على إجراء الإنتخابات النيابية من دون قانون موحد بين الأفرقاء السياسيين، حيث أنّه يمرُّ بمرحلةٍ حرجة من الضغوط الكبرى التي تنتهجها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها والتي إنغمست واضطلعت بشكل مباشر وغير مباشر بالحرب على سورية من خلال دعمها للمجموعات الإرهابية التكفيرية التي تقاتل في سورية .

 

فبعد إستقالة الرئيس نجيب ميقاتي أُعيد تكليف النائب تمام سلام بشبه إجماع ناهز 97 بالمئة من قوى 8 أذار و14 شباط، على أمل في الأيام القليلة القادمة أن يخرج من جيبه بعد أن أجرى إستشارات نيابية بين مكوناتها السياسية تشكيلة الحكومة الجديدة، وقبل لقاءه المرتقب بالأمس بقوى 8 أذار سرّبت ترشيحات لتشكيلة الحكومة بعد أن أعلن الرئيس المكلف إطفاء المحركات بعيداً عن الضجيج الإعلامي والتسريبات الإستفزازية التي صدرت من فؤاد السنيورة وبعض قوى 14 شباط التي تعرقل تشكيل الحكومة ومهمة الرئيس المكلف تمام سلام بما يخدم مصالحها السياسية والأمنية المرتبطة بالوضع السوري القائم، فالسؤال المطروح حالياً هو :

 

هل أنّ الرئيس المكلف يستطيع إنجازتأليف الحكومة برضى جميع الأطراف السياسية وخاصةً بعد أن شهدت الساحة اللبنانية إجماعاً وإرتياحاً في تكليفه لرئاسة الحكومة ؟وهل سيتمكّن من التأليف تحت مظلّة دعم سعودي وإيراني واضحين؟ أم أنّ هناك عوائق ومطالب قد تؤخّره ليس أقلّها في هذه المرحلة التي تمرّ بها المنطقة وخاصة الوضع في سورية ؟أم يُخرج من جيبهِ تشكيلة حكومة أمرواقع من لون واحد وحسب مصادرسياسية وإعلامية في 14 شباط ويتقدم بها للرئيس ميشال سليمان لإصدارمرسومين، الأول: قبول إستقالة الرئيس ميقاتي والثاني: مرسوم تشكيلة الحكومة المزمع تأليفها، ويبقى السؤال الأهم: ماذا عن البيان الوزاري ؟ وماذا لو أنجز البيان الوزاري فيما بعد التأليف ؟ فكيف ستنال الحكومة الثقة في البرلمان؟  وكيف لو سقطت حكومة الأمرالواقع المزمع تشكيلها أثناء التصويت على البيان الوزاري وما هو مصير الإنتخابات النيابية ؟ عندها يصبح لبنان أمام حكومة تصريف أعمال أمرواقع فقط ، وبالتالي لا تستطيع أن تأخذ أي قرار سوى تصريف الأعمال في الوزارات وبالتالي ستنكفىء المؤسسة العسكرية باعتبار أنّ ليس لها مظلّة سياسية ويتقلّص دورها وخاصة على الحدود المشتركة بين لبنان وسورية. فمن له مصلحة داخلية غير قوى 14 شباط وإقليمية ودولية واشنطن وحلفاؤها في ذلك وأخذ لبنان رهينة في هذا السياق والمنحى المنزلق الخطر ؟

فالرئيس تمام سلام الرجل السياسي الهادىء وهو العازم على تشكيل الحكومة وإتمام المهمة التي أوكلت إليه بعيداً عن الإعلام والتسريبات وهو لذلك أطفأ محرّكاته الكلامية ويعمل بصمت وجدّية كبيرة ومتناهية كي ينجز مهمّتهُ بالسرعةِ وتعاملهِ المرن في شأن دستوري كبير، وهي تأليف حكومة جديدة تنال الثقة من كافة القوى السياسية وتتفرغ لإتمام مهمتين لا ثالث لهما، وهي الإشراف على الإنتخابات البرلمانية بعد أن يتم الإتفاق على قانون إنتخابي يحظى بإجماع كافة الأطراف، والثاني التمسك بحيادية لبنان في الشأن السوري القائم وعدم التدخل لا سلباً ولا إيجاباً. عندها يسجّل للبنان أنهُ جدير بنقل وتداول السلطة حتى ولو كانت المنطقة على بركان متفجّر.  

 

فهل ستنجح الحكومة التي ستؤلف بعد أن إنغمست قوى 14 شباط وتجاهر بمواقفها بالحرب على سورية من خلال دعمها وإيوائها لجبهة النصرة والجيش السوري الحرّ والجهات التكفيرية الأخرى؟ أم سترغم اللبنانيين على السير بالإستحقاق الإنتخابي بقانون السّتين الذي دفن وأصبحت عظامه تراباً ولكنه قائم ؟" فسبحان من يحيي العظام وهي رميم" وهل أنّ مرحلة الفراغ السياسي والدستوري طويلة في ظل عدم حسم عسكري لأي محور في سورية وعدم حصول ونضوج تسوية فيما بعد ؟

 

فإذا كان الدعم الإقليمي السعودي والإيراني جاهزين وغير كافيين؟ فمن هوالمعرقل وأخذ المسار السياسي والدستوري وبروز لهجة تصعيدية حادّة والتصويب على كافة قوى المقاومة في8أذار وخاصة بعد زيارة كونيللي لرئيس الحكومة المكلف ؟ هنا تبرز أسئلة كبيرة محورها كالآتي: 

 

هل الفراغ السياسي الذي حصل بعد إستقالة حكومة ميقاتي والتي لم تستطع إجراء انتخابات على أساس قانون السّتين "الميّت" ؟ وهل الفراغ الدستوري الحاصل هوالبيئة الحاضنة لإطلاق هذا المشروع التفتيتي الممنهج في لبنان والتي تقوده واشنطن عبر تضييع الوقت بعدم تشكيل حكومة أو تشكيل حكومة أمر واقع من لون واحد وبعدم نيلها الثقة وعدم إجراء الإنتخابات ومن ثمّ الضغط على المؤسسات الدستورية لتمديد ولاية مجلس النواب لسنتين وبالتالي التحكّم عن بعد بمسار إنتخابات الرئاسة الأولى في العام 2014؟

 

من هذا المنطلق تسعى واشنطن وحلفاؤها، إلى صناعة الفتنة والفوضى الخلاّقة والحرب الناعمة والتي تخدم الحلف القائم حالياً برعايتها "إسرائيل تركيا والأردن" وأدواتها في 14شباط في مواجهة سورية والمقاومة في لبنان، حيث أنّ وقع المفاوضات القريبة مع الجانب الروسي سيتناول عدداً من الملفات الساخنة في العالم منها ملف كوريا الشمالية والملف النووي الإيراني والدرع الصاروخية ومواجهة التمدد الإقتصادي الصيني في المنطقة إلى الملفات الأخرى في العالم ولأنّ لبنان إحدى هذه الملفات الساخنة في أوراق التفاوض واللعب في مصير المنطقة التي ترتكز عليها واشنطن والمحورالقائم حالياً، حيث أنّ لبنان يملك أوراق القوة في مواجهة إسرائيل وردعها بشكل مباشر وتجربة الحرب عام 2006  لا زالت ماثلة وهي شاهدة ودليل قاطع حيث تجرّعت إسرائيل كأس الهزيمة المرّة في لبنان أثناء عدوانها عليه .

 لذلك تسعى واشنطن بكل جهدها لنقل الفتنة من سورية إلى الداخل اللبناني، من خلال خلق الأدوات لها ومن ثم رعايتهم وتسليحهم وتمويلهم من فتح الإسلام مروراً بالتفجيرات والإغتيالات التي حصلت في لبنان ومن ثم تبنّيها ما يسمى بالربيع العربي من تونس إلى ليبيا ومصر وسورية والذي نظّر له الصهيوني"برنارليفي"مستفيدين من التيارات الإرهابية التكفيرية والمرتزقة من دول الخليج وأفريقيا وأسيا ، حيث تمّ نقل القاعدة من دول العالم إلى سورية ولبنان والأردن وتركيا ولقيامهم بالحرب "بالوكالة" الهدف من كل هذه الإستراتيجية الدموية في المنطقة هو، بناء جبهة واسعة وعريضة وقوية مشكّلة من نسيج القاعدة وأدواتها جبهة النصرة والجيش السوري الحرّ وغيرهم من التكفيريين حيث تستطيع الدخول بالحرب الوكالة مع قوى المقاومة في لبنان تمهيداً لإستنزافها على أوسع مساحة ممكنة في لبنان، فتكون قد مهدت للعدو الصهيوني في لحظة إنشغال المقاومة في درء الفتنة في الداخل اللبناني أن تشنُ حرباً على لبنان وقوى المقاومة لردّ الإعتبار للهزيمة التي منيّت بها عام 2006 ويكون عنوان الحرب تلك هي "تصفية الحساب في الردع" وربما تشنّ حرباً مماثلة بالتزامن على سورية في نفس اللحظة التي تشنّ الحرب على المقاومة في لبنان .

إنّ الوضع الإقليميّ المتفجّر في المنطقة يستدعي من الرئيس المكلف تمام سلام إنجازتشكيلة حكومة الوحدة الوطنية بأسرع وقت ممكن والطلب من كافة الأطراف وبعدم السماح لأي طرف سياسي العرقلة أو أن يعرقل مهمة الرئيس المكلف ويغرقهُ بسلسلة من المطالب الوزارية أو غيرها في الإستحقاق السياسي والدستوري ومنعهِ العبث بأمن لبنان وتجنيبه الصراع في المنطقة وخاصةً ما يجري من مؤامرة في سورية، ولمواجهة ما يحاك له في الغرف السوداء إنطلاقاً من السفارة الأميركية، والتي تعمل ماكينتها ليلاً نهاراً لعرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية وإبقاء لبنان بأكملهِ تحت رحمة السياسة الإميركية الغربية وجعلهِ ورقة بيد إسرائيل مهما كلفها ذلك من أمر، بعد أن خسرت رهانها في سقوط النظام في سورية أو أن تغيّر قواعد اللعبة لمصلحتها مما يجعلها أن تمسك بلبنان مجدداُ من خلال أدواتها في لبنان والمنطقة ...

بقلم : الكاتب والمحلل السياسي محمّد الزين .