أكد البيان الختامي للقمة العربية 30 التي استضافتها #تونس، أنه "من غير المقبول أن تبقى المنطقة مسرحاً للتدخلات الخارجية، مشدداً على التمسك بقيام دولة فلسطينية على "حدود 67" وعاصمتها #القدس، داعياً المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية".
ماذا بعد البيان؟ ما المتوقع أن يحدث في المنطقة في انتظار القمة المقبلة؟ وأين هي الخطة العربية الاستراتيجية للحؤول دون إبقائها مسرحاً للتدخلات الخارجية؟ وما هي الخطة الاستراتيجية للتمسك بالقدس عاصمة لدولة فلسطينية بـ"حدود 67"؟ وكيف ستترجم دعوة المجتمع الدولي لوقف الانتهاكات الإسرائيلية؟
من سيتولى الإشراف على تنفيذ مقررات البيان الختامي؟ من سيعمل على تطبيق العدالة الإنسانية والسياسية لشعوب المنطقة، ومن سيقود تحركاً على مستوى المستوى الإقليمي والدولي لإعادة الحقوق الى مَن انتهكت حقوقه؟
الحكاية أبعد من قمة وبيان.
قبل القضية الفلسطينية وقبل إعلان #ترامب في شأن #الجولان المحتل منذ العام 1967، هل يمكن أي قمة عربية أن تعترف بسبب وصول الأوضاع المتردية الى ما وصلت إليه؟
عندما نصحح التعبير المتعلق بالهزيمة والخسارة ولا نكتفي بتصويره نكسة عابرة، ربما حينها تتوقف الأنظمة العربية عن الانزلاق إلى ما هو أبعد مما هي فيه اليوم.
عندما تفتح هذه الأنظمة الطريق للتغيير ولا تخاف على نفوذها واستمرارها في السلطة، قد تنفع قمة وقد يثمر بيان.
لكن عالماً عربياً لم يستطع زعماؤه حماية الشعب السوري من ديكتاتورية حاكمة أو تطرف سفاح، أو سيطرة روسيا وإيران وتركيا على مصيره، تبقى قممه عقيمة. لعل التاريخ سيظهر ان هذه الأنظمة لم تكن تريد لهذا الشعب، كما لشعوبها، أن يتحرر من جلاديه.
عندما تخضع المنطقة لمخططات القوى الكبرى التي تستثمر في خرابنا، وتستكمل هذه المخططات مستفيدة من التدخلات الخارجية الإيرانية والتركية لإضعاف هذه الأنظمة التي صارت خلف العالم وتطوراته، لتؤمن الانتهاكات المتصاعدة لإسرائيل، يصبح التقليد السنوي لعقد القمة تبذير أموال كان من الأفضل استثمارها في ما يفيد الشعوب البعيدة بهمومها عن أنظمتها.
لذا، لا فائدة من القمم التي تكتفي عاماً بعد عام بتكرار المواقف غير الفعالة، وما دامت لا تتطرق فعلاً الى علل العالم العربي، بدءاً بعلة الديموقراطية المغيّبة وبالمساواة المغيّبة وبالشراكة الفعلية بين الأنظمة وشعوبها المغيّبة، وبالمناهج المدرسية التي لا تنتج انساناً له الحق في التمتع باستخدام عقله وقلبه وجسده، بل تنتج كائناً تابعاً خائفاً يتسول لقمة عيشه وأمانه، ولا يعرف أن لديه الخيار في تقرير مصيره ورفض أو قبول ما يحيط به. وما دام عدد المعتقلين السياسيين الى تصاعد، وما دام عدد المخفيين قسراً إلى ارتفاع وإلى نسيان، وما دامت تغريدة تطيح كاتبها، وما دام الفساد حقاً من حقوق أهل السلطة بحيث تُمنع محاسبة من يسرق مقتدرات الشعوب، وما دامت مستويات الفقر ترتفع في دول تملك النفط والغاز والأراضي الزراعية.
العلة التي تفتك بالمنطقة تعكس اختلالاً في العمق والمفهوم. فلنعد إلى الميزان ومن يمسك بالحلقة المعلّقة في أعلاه ويحركها لترجح كفة على أخرى وفق النفوذ وما يستتبعه من مصالح للقوى الكبرى التي تتحكم بكل ما هو دونها.
ليس صحيحاً أن العدالة العمياء هي الموكلة بالأمر. فهذه العدالة لا يتجاوز دورها الصورة التي لا تعكس الواقع. لا يبنى عليها. فهي ليست المرآة، وتحديداً هي تخفي وتضلل بشأن ما يتفاعل خلف المرآة. وهذا الذي يتفاعل هو الواقع الوحيد. الواقع المختلف عن الخطاب الموظف في الصورة وفي القمم وفي البيانات.
الواقع يقول أن الميزان مائل على الدوام. لا علاقة له بالصورة التي لا تتجاوز لعبة "فوتوشوب" تاريخية، تسبق التكنولوجيا. وهي مقصودة ومغرضة عبر تصوير كذبة العدالة العمياء القادرة على أن تفي الميزان حقه.
ليس صحيحاً أن اللعبة تغيرت. أيضاً وتاريخياً لا تزال على حالها، فوحدها المعايير هي المتغيرة، تخضع إلى معادلة الأقوياء، وهي قائمة منذ الأزل تتغذى بالصراعات والحروب. لو كان المجتمع على صورة ما يتاجر به أصحاب السيطرة من قيم هي للاستهلاك فقط، لما وشت التفاصيل بكذبة هؤلاء الأقوياء واستقوائهم على من يقع تحت سيطرتهم وتنميطه وترويضه وتعليب دوره واستغلاله.
لا أحد يريد إزاحة الستارة عن اختلال العدالة، ليس فقط في المنطقة، لكن في العالم من أقصاه إلى أقصاه. بين قوي وضعيف. يرى هذا الاختلال من يريد القراءة ويجيدها. حركة الميزان حكر على أصحاب النفوذ. عدالتهم هي السائدة. لا اكتشاف في الأمر ولا عبقرية لتبيان قدرة النفوذ على الظلم الذي يؤلم من يراهن على العدالة.
بالتأكيد، القمم والاجتماعات العربية ستبقى أسيرة الفزّاعات التي تخلقها القوى الكبرى لتزلزلها وتستنزفها، وستبقى بياناتها تجترّ الشعارات والخسائر على حساب شعوبها.