إنه ثورة فكرية، وليس ثورة مسلحة ثورة العالم الديني المتنور الذي تخطى حواجز المذاهب والطائفية والدين، إلى رحاب الله والإنسان والوطن وما بينهم ثورة المجتهد الفقيه الذي سبر أغوار الكتاب والحديث وبعقل نيرِّ وبصيرة نافذة استنبط الحكم من مداركه الشرعية الأصيلة، الحكم الذي يقرب المسافة بين المكلَّف والمكلِّف. ويعبد طريق المخلوق إلى الخالق دون واسطة وبلا عوائق، ثورة المفكر المجدد الذي سلك درب الأنبياء والرسل والصالحين بوسائل العصر وتقنيات العقل المتطور لبلوغ الهدف المنشود والغاية المرتجاة، وهو بناء الإنسان بشخصية العارف لحدود الله والمتيقن بوحدانيته وعدالته. انه سماحة العلّامة السيّد علي الأمين الذي لمْ تأخذه في الله لومة لائم بل انه صاحب الرئيس الحر والكلمة الصادقة والصرخة المدوية التي أطلقها في هذا الزمن الرديء الذي اختلَّت فيه الموازين وضاعت معه القيم فضاع الإنسان وأخطأ طريق الحقيقة فوقع أسيراً لعصبيات مذهبية ونعيم دنيوي زائل، في هذا الزمن زمن القمط الفكري يبقى سماحة السيّد علي الأمين نبراساً وعلماً وموئلاً للأجيال التي تبحث عن الحق والحقيقة ومنارة للسفن التائهة في بحور الظلمات والتي تنشد شاطئ الأمان، وكنزاً يلقي لآليء مكفوفة بالعلم والمعرفة وثروة فكرية تغني المدرسة الدينية فقهاً وتشريعاً وأخلاقاً وأدباً وعلوماً في المنطق والكلام وانه بحق ثورة وثروة. وإني وفي هذه العجالة قد أبدو عاجزاً عن الإحاطة بهذه الشخصية العظيمة ولكن لا بأس من التقاط لؤلؤة من هذا الكنز الثمين وتلمس بعض مكنوناتها، فسماحته الذي يقرأ التاريخ ببصيرة نافذة وعقل متحرر من قيود التبعية وقلب مفعم بالإيمان، ويعبر عنه بشخصية المرجع الديني والمسؤول السياسي والمصلح الإجتماعي الحريص على قناعاته ومبادئه الهادفة إلى اصلاح الإنسان والمجتمع والدعوة إلى الغاء الفوارق بين سائر البشر على أساس ديني أو عرقي ويرى أن لا تعدد في الدين وإنما هو أمر واحد وهو الإذعان والتسليم بأن الكون والحياة خلقهما الله تعالى والدين هو ما أرشدت إليه الفطرة السليمة ودل عليه العقل المستقيم وتعزز وتأكد بوحي السماء وقد انبثق عن هذا الدين العقيدة شرائع ورسالات سماوية، وان هذه الشرائع واحدة في المصدر وواحدة في الهدف أي أنها واحدة في الله وفي الإنسان وبهذا اللحاظ فإن الإسلام يعني التسليم والإذعان والإيمان بالله الخالق للسماوات والأرض ولكل مظاهر الحياة وبأنه منزل الوحي وباعث الأنبياء، وهذا لا يعني إنكاراً للمسيحية ولا لليهودية، فهذه الشرائع والرسالات ليس اختلافها بنحو التباين والتباعد وإنما هو بنحو التكامل والتعاضد بعضها البعض الآخر ومن خلال التعرف على أهداف الرسالات السماوية نتمكن ان نتعرف على الدور الذي يقوم به الدين في بناء الأوطان والإنسان والهدف واحد وعليه لا يمكن أن يكون الدين إلا عاملاً من عوامل استقرار المجتمع لأنه يدعو إلى الوحدة والعدالة وان حركة الإنبياء عبر التاريخ لتغيير الواقع الفاسد واصلاحه، قامت على أسس العدالة الإلهية التي حمل مشعلها الأنبياء والمرسلون وواصل مسيرتها الصالحون والمصلحون من بني البشر المؤمنين برسالات ربهم، وقد ورد في الحديث أن (حب الوطن من الإيمان) وهذا يعني انه لا يجوز أن تكون روابط الدين والعقيدة على حساب روابط الإنسان بوطنه وشعبه لأن الدين يدعو لتعزيز ارتباط الإنسان بوطنه وشعبه وهي ارتباطات تسبق رابطة الدين وعليه فالمتعاون بوطنه متهاون في دينه لأن الوطن من المقدسات التي لا يجوز الاستهانة بها ولا التفريط بها تحت أي شعار. وفي ما خص الخلاف بين الفرق الإسلامية فإن سماحته يجيب عنه وبكل جرأة وثقة في كتابه الأخير (السنّة والشيعة أمّة واحدة) وهو أفضل واصدق ما كتب في هذا المجال فهو عبارة عن دراسة فقهية وكلامية في مسألة الخلافة والإمامة تسقط أسباب الخلاف وتثبت حق الإختلاف، فالمسلمون متفقون على مرجعية واحدة تتمثل بالكتاب والسنّة، فهما المصدران الأساسيان للعقيدة والشريعة فيجب الرجوع إليهما بحيث يتقلص حجم الإختلاف الواقعة بين الفرق الإسلامية إلى درجة كبيرة على ان يبقى الخلاف المشروع في الدائرة الفقهية فالفقهاء ليسوا هم مصدر التحليل والتحريم وفتاويهم هي نتاج لإجتهادهم في فهم الأدلة الشرعية، وكذلك فليس من الدين في شيء ولا من المصلحة الإسلامية إخراج ملايين المسلمين عن الإسلام بجرة قلم أو بكلمة غير مسؤولة لمجرد بعض الأفعال والأقوال التي يُمكن تأويلها، وفي موضوع الإمامة يرى السيّد إن الإمامة لا تعني بالضرورة القيادة السياسية التي تتولى السلطة والإدارة وشؤون الحكم في المجتمع وإنما المقصود فيها المكانة الدينية المتقدمة في الدعوة التي تجعل من صاحبها وهو الإمام مرجعية في تبليغ أحكام الشريعة وتعليمها وهو الذي يشكل القدوة الحسنة في تطبيقها وتبليغها وهي رسالة هدى ودعوة إيمان وليست قيادة سياسية.
والكتاب يقع في عدة بحوث ويمثل مجموعة حوارات جادة بين المذاهب الإسلامية تهدف إلى التقريب فيما بينها ولا يتسع المقام هنا للإحاطة بها والتعليق عليها ولكن نلفت كل باحث عن الحقيقة الإطلاع على هذا الكتاب وقراءته بتمعن وسيجد فيه ضالته التي تمثل نفحة من نفحات فكر المرجع الكبير المجتهد سماحة العلّامة السيّد علي الأمين، الأمين على الرسالة التي بلغها الرسول (صلي الله عليه وسلم) بوحي من المُرسل والتي قلما سبقهُ إليها أحد من كبار المراجع والباحثين.
السيّد علي الأمين ثورة ... وثروة
السيّد علي الأمين ثورة ... وثروةطانيوس على وهبي
NewLebanon
مصدر:
اللواء
|
عدد القراء:
1689
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
تعليقات الزوار
ان هدا الشيخ هو اصدق واشرف شيعي واتمنى الله يهديه لطريق الله ورسوله الحق طريق السنه الصحيح لانه حرام يمشي بطريق ودين الشرك دين الشيعه دين جهنم وهو من افتى بان من يقتل محارب مع بشار فهو بجهنم وليس بشهيد فالحدر ياشيعه من اطاعت ايران وخامئها الخنزير وكلابه بلبنان كحسن المجرم وحزبه ابشركم 20 الف شيعي اهتدول لتسنن
الإسم: شيعي متسنن حديثا
14 نيسان 2013
عجباً لمن يقول ان الامامه ليست قياده سياسيه بل هي قياده دينيه وهل قصُر عقل القائل عن قراءه التاريخ السحيق والقديم والمعاصر حتى وصل الى هذا النتاج اليس النبي ابراهيم كان اماما وحاكما للناس والله يقول له ان جعلناك للناس اماما فاحكم بينهم وايضاً اليس الامام علي عليه السلام اماما وحاكماً سياسيا وعسكريا ودينيا وايضا الامام الحسين الم يكن قائداً عسكريا وذو طرح للحكم والاصلاح الاجتماعي والسياسي ..........عذرا يا صاحب السماحه فالإمامه هي هي صفه اعطاها الله لخاصه اوليائه ليحكموا بأمره ويطبقوا شريعته ودينه واوامره التي ارتضاها للخلق والامام هو حاكم بأمر الله وله السلطه على كل ما هو على الارض لانه من قبل الله والله هو الحاكم من وراءه
الإسم: ZIYAD FAOUR
14 نيسان 2013
عندما قال الامام علي (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم) ما كان يقصد الا (السيد) علي الأمين
الإسم: منال الشريف
14 نيسان 2013
الى منال الشريف: عندما قال الامام الإمام الحسين ع (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت معايشهم .. ) لم يقصد السيد علي الامين بلا شك لأنه لا بأس أن نعمل جردة حساب مالية وعقارية للمحرومين واقاربهم وابنائهم وعائلاتهم الذين اتخموا من وراء شعار الحرمان و المستضعفين ومن لف لفهم الذين استكبروا بسبب الطغيان ... بسيطة في لبنان سهلة جدا ً ان نعمل جردة حساب للبنوك و العقارات ومن سرق الاوقاف ... فتكون النتيجة ان الذين يحيطون الدين هم الإمعة المستفيدون امثالك واقرباء المسؤولين الحارمين و المستكبرين وإنما عندما قال الإمام الصادق ع : ( العلماء ورثة الأنبياء ) فلا شك أنه كان يقصد السيد علي الأمين والأحرار بآرائهم ودينهم ومواقفهم في سبيل شعوبهم وأوطانهم
الإسم: جاد بن جدو
14 نيسان 2013
إلى شيعي متسنن: اعلم أن عائلات شيعية لبنانية كثيرة قد تنصرت بفعل جور السني التركي عليها، ولم يؤثر ذلك على مسيرة الشيعة لا في إيران ولا لبنان ولا غيرهما. لو رضي السيد بما تشتهي له لاستبدل عمامته السوداء باخرى بيضاء، ولا فرق بينهما عندي. لم يكن ياسر ولا المقداد ولا أبا ذر من شيعة علي بل من شيعة الرسول عليهما السلام، والشيعة فخورون بهم كما أنك ستكون فخوراً بمن ينتقل إلى ضفتك. فلنترك هذا الشأن لذوي الكلمة الفصل ونتقي الله بما نقول وجميع المسلمين أخوة بعين الله شاء من شاء وأبى من أبى. إلاما الفرقة والجهل والحقد اللاواعي إلاما؟ ولا يسعني إلاّ أن أذكر فئة من الإخوة بأن ينظروا إلى البوصلة ويصححوا الاتجاه نحو العدو الإسرائيلي ويخرجوا من الترهات الفارغة.
الإسم: منصف
15 نيسان 2013
ان هذا السيد اخرا سيد وانيك سيد ايري بي لفتو وبي لحيتو وانت يا شيعي يا متسنن حديثا لو بتيكلك شي خريي احسن.
الإسم: joni barada
17 نيسان 2013
إن موقع لبنان الجديد لا يتحمل مسؤولية التعليقات وغير مسؤول عنها.
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro