شدد مجلس الأمن، في قرار لا سابق له بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، على ضرورة مكافحة تمويل الإرهابيين والجماعات الإرهابية، لا سيما عبر التحويلات المالية المشفرة، أو التي تستخدم العملات الرقمية، أو تلك التي تغطي عملياتها الإجرامية بغطاء من النشاطات التجارية والقانونية المشروعة. بينما كشفت الولايات المتحدة أنها تقوم بـ«جهود منسقة» مع المملكة العربية السعودية ودول أخرى لمواجهة «مجموعة متطورة بشكل متزايد»، التي يقوم بها «حزب الله» من أجل «جني الإيرادات، وإخفاء شراء الأسلحة، والتحايل على الضوابط لتعطيل غسل الأموال وتمويل الإرهاب».
وجاءت تصريحات الدبلوماسي الأميركي في سياق القرار 2462، الذي أصدره مجلس الأمن بالإجماع، الخميس، بهدف تعزيز الجهود الدولية لمحاربة الأساليب الكثيرة الجديدة التي تعتمدها جماعات مثل «القاعدة» و«داعش» و«حزب الله» لجمع الأموال ولتمويل عملياتها.
ويشدد القرار، الذي قدمت مشروعه فرنسا، على أن المسؤولية الرئيسية في مكافحة الأعمال الإرهابية تقع على عاتق الدول الأعضاء، مؤكداً أن «الإرهاب بكل أشكاله ومظاهره يمثل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وأن أي عمل إرهابي هو عمل إجرامي لا يمكن تبريره أياً كانت دوافعه أو توقيته أو مكانه أو هوية مرتكبيه». وذكر كل الدول بـ«التزامها ضمان تقديم أي شخص يشارك في تمويل أعمال إرهابية أو التخطيط أو الإعداد لها أو ارتكابها أو دعمها إلى العدالة»، على أن «تعتبر هذه الأعمال الإرهابية جرائم جنائية خطيرة في القوانين واللوائح المحلية، بالإضافة إلى أي تدابير أخرى ضدها، وبأن تعكس العقوبات المتخذة بحق مرتكبيها على النحو الواجب خطورة هذه الأعمال الإرهابية». ولاحظ مجلس الأمن في القرار، الذي أصدره بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أنه يجيز استخدام القوة ووسائل قاهرة أخرى لتنفيذه، بـ«قلق بالغ أن الإرهابيين والجماعات الإرهابية يقومون بجمع الأموال عن طريق مجموعة متنوعة من الوسائل تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، إساءة استخدام المؤسسات التجارية المشروعة، واستغلال الموارد الطبيعية، وإساءة استخدام المنظمات غير الربحية، والتبرعات، والتمويل الجماعي، والعائدات المتأتية من النشاطات الإجرامية». وعبر عن «القلق من أن الإرهابيين قد يستفيدون من الجريمة المنظمة عبر الوطنية باعتبارها مصدراً للتمويل أو الدعم اللوجستي»، مشدداً على «ضرورة تنسيق الجهود على كل الأصعدة المحلية والوطنية والإقليمية ودون الإقليمية والدولية بهدف التصدي لهذا التحدي». وأعرب كذلك عن «القلق من استمرار الإرهابيين ومؤيديهم في استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لا سيما شبكة الإنترنت، من أجل تيسير الأعمال الإرهابية وكذلك استعمالها في التحريض على ارتكاب أعمال إرهابية أو تجنيد مرتكبيها أو تمويلها أو التخطيط لها». ويطلب من الدول الأعضاء أيضاً «تحديد القطاعات الاقتصادية الأسهل لتمويل الإرهاب والتزود بوحدات استخباراتية متخصصة في كشف الدوائر المالية التي تستفيد منها منظمات إرهابية». ويحض على «التحرك لكشف سرية التحويلات وتطوير وسائل لمراقبة المدفوعات عبر الهاتف واستخدام المبالغ النقدية والعملات المشفرة».
ولطمأنة المنظمات الإنسانية التي تخشى من عرقلة نشاطاتها على الأرض، بحجة أنها تساعد بطريقة غير مباشرة المنظمات الإرهابية، أكد القرار أن «الترسانة القمعية التي تطورها الدول يجب أن تطبق ضمن احترام القانون الإنساني».
وخلال الاجتماع الذي عقد برئاسته (فرنسا رئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي)، قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، إن القرار يرمي إلى وضع «عقيدة مرجعية. إنها بداية التطبيق» لقرار هو الأول من نوعه الذي تخصصه الأمم المتحدة حصراً لمسألة تمويل الإرهاب. وأضاف أن «مشاركة القطاع الخاص في ذلك بات ضرورياً أكثر من أي وقت مضى». وأفاد دبلوماسيون فرنسيون بأن هدف القرار هو جمع كل المعايير في نص واحد، وتكثيف التعاون الدولي. وإذ ركز على «تقاسم المعلومات الاستخبارية»، أوضح أن «علينا معالجة المسألة من جذورها»، مشيراً إلى أن «المجموعات الإرهابية كـ(القاعدة) أو (داعش) لا تختفي بل تتأقلم، وأنه يجب قطع موارد تمويلها».
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكتب مكافحة الإرهاب، فلاديمير فورونكوف، إن اعتماد القرار «يأتي في وقت حرج، حيث بينت الهجمات الأخيرة في كل أنحاء العالم أن التدفقات المالية تستمر في الوصول إلى الجماعات الإرهابية بواسطة الوسائل القانونية وغير القانونية على حد سواء»، مشيراً إلى «أهمية تضافر الجهود لجذب انتباه العالم بشأن وقف تمويل الإرهاب». وأوضح أنه على رغم تركيز الكثير من قرارات مجلس الأمن على مكافحة تمويل الإرهاب، فإن هذا القرار «يساعد على توحيد المتطلبات المختلفة في مشروع واحد، ويوسع التركيز على القضايا الرئيسية الناشئة، بما في ذلك أنماط التمويل الإرهابي المبتكرة»، معرباً عن استعداد مكتب مكافحة الإرهاب لدعم الدول الأعضاء في تنفيذ هذا القرار. وركز على ثلاث نقاط أساسية أكد أنها تمثل أولوية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب، وهي «أولاً توسيع التركيز ليشمل عدة مجالات، منها التبادل في مجال الاستخبارات، وثانياً النظر إلى مسألة مكافحة تمويل الإرهاب باعتبارها حزمة شاملة تضم مجموعة متنوعة من الموضوعات ذات الصلة، وثالثاً أهمية العمل عن كثب مع فرقة العمل المعنية بالإجراءات المالية بشأن المساعدة في بناء القدرات».
وحض الدول بقوة على «تطبيق المعايير الدولية التي وضعها فريق العمل المالي»، الذي أنشئ عام 1989 من القوى الاقتصادية الكبرى لمكافحة غسل الأموال. ومنذ ذلك الحين وسع نطاق عمله ليشمل تمويل الإرهاب وتمويل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية.
وقال رئيس فريق العمل المالي مارشال بيلينغسلي لمجلس الأمن، إنه «من الأهمية بمكان لكل الدول أن تدرك أين تكون عرضة لتمويل الإرهاب، ومن ثم استخدام هذا الفهم للتخفيف من تلك المخاطر بشكل صحيح». وأضاف أنه «يتعين على الدول أن تدرك أن المخاطر تتجاوز قطاع المصارف والتمويل لتشمل البناء والسلع وتهريب الأدوية وحتى تجارة السيارات المستعملة». وأوضح أن جماعات مثل «حزب الله» و«القاعدة في بلاد المغرب» ومتمردي «فارك» في كولومبيا «استفادت جميعها من اختلاط الأموال بين العمليات الإجرامية والتجارة والأعمال القانونية الأخرى بغرض تمويل الهجمات الإرهابية».
وقال القائم بأعمال البعثة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة جوناثان كوهين، إنه «يجب علينا تعطيل تمويل جماعات مثل (حزب الله)، الذي يصدر العنف وعدم الاستقرار في كل أنحاء الشرق الأوسط»، مشيراً إلى «سجله الطويل من النشاط المزعزع للاستقرار الذي لا يزال يهدد السلام والأمن العالميين». وكشف أن «(حزب الله)، الذي يستمر في خوض الحروب على جبهتين في سوريا واليمن، يستخدم مجموعة متطورة بشكل متزايد من الأدوات والشبكات الدولية من الشركات والوسطاء، بما في ذلك الشركات التي تبدو شرعية مثل قطاعي البناء والصناعات الدوائية، لجني الإيرادات، وإخفاء شراء الأسلحة، والتحايل على الضوابط لتعطيل غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، مشدداً على أنه «لا يمكن معالجة هذه الشبكات والأدوات بمعزل عن غيرها، أو في أي ركن من أركان المعمورة. ولا يمكننا السماح للجماعات الإرهابية التي أثبتت جدواها، مثل (حزب الله)، بالاستمرار في التقدم خطوة واحدة على جهود المراقبة الدولية وتمويل الإرهاب. يجب علينا جميعاً أن نعترف بـ(حزب الله) وغيره من الجماعات المماثلة لما يمثلونه - تهديد عالمي للسلام والأمن». وأكد أن «تهديد تمويل الإرهاب الذي يشكله (حزب الله) و(داعش) و(القاعدة) يتطلب توظيف مجموعة كاملة من الأدوات التي أبرزها قرار» مجلس الأمن. وأفاد: «نحن نعزز تأثير جهودنا الفردية لمكافحة تمويل الإرهاب من خلال العمل مع الشركاء الدوليين الرئيسيين. على سبيل المثال، أنشأت الولايات المتحدة، إلى جانب رئيسها المشارك، في المملكة العربية السعودية، مركزاً لاستهداف تمويل الإرهاب، في الرياض، لتيسير الأعمال المنسقة لتعطيل هذه النشاطات، وتبادل المعلومات، وبناء القدرات لاستهداف شبكات ونشاطات تمويل الإرهاب ذات الاهتمام المشترك، التي تشكل تهديدات للأمن القومي للولايات المتحدة والخليج». وأضاف: «نواجه سوية شبكات تمويل الإرهاب المتطورة، بما في ذلك شبكات دعم (داعش) و(القاعدة) و(حزب الله) و(عسكر الطيبة)»، موضحاً أنه «منذ إنشائها في مايو (أيار) 2017، قمنا بتنفيذ ثلاث جولات من التعيينات متعددة الأطراف، وفرضت عقوبات على 36 من الأفراد والكيانات».