رئيس الحكومة العراقية يستبدل دولة حزب الدعوة العميقة بمدراء من كتلة العبادي والحكيم والصدر.
كشفت مصادر سياسية رفيعة في بغداد أن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي عرض على تحالف الإصلاح بزعامة عمار الحكيم، الذي يضم كتلة “سائرون” التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، وائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، وشخصيات سياسية سنية، تسمية مرشحيه لشغل المئات من الدرجات الخاصة والمناصب الحساسة في الجهاز التنفيذي الذي يقود البلاد، في محاولة لترميم علاقته السياسية بالجهة التي تستحوذ على العدد الأكبر من المقاعد في مجلس النواب العراقي.
وجسد عرض عادل عبدالمهدي ارتهان الحكومة العراقية للأطراف السياسية الفاعلة، بالرغم من طابع الاستقلالية الذي حاول رئيس الوزراء العراقي أن يشيعه عن وزارته لحظة الإعلان عن تشكيلها.
وتقول مصادر “العرب”، إن “ما يزيد على أربعة آلاف درجة خاصة، تتراوح بين وكيل وزير ومدير عام، تشكل العصب الرئيسي لجهاز إدارة الدولة العراقية، ما زالت تدار بالوكالة، أو من قبل شخصيات محسوبة على أحزاب غادرت السلطة، أو تراجع نفوذها السياسي”، ما يتطلب إعادة توزيعها مجددا على الأحزاب التي عززت مكاسبها خلال الانتخابات العامة في مايو الماضي، أو ارتقت حديثا إلى البرلمان.
ويمكن أن يمثل هذا الإجراء العملية الجراحية الأخيرة لاستئصال نفوذ حزب الدعوة الإسلامية، بزعامة نوري المالكي، من مختلف المؤسسات الحكومية المهمّة.
وخلال المرحلة التي حكم فيها المالكي العراق بين 2005 و2018، دفع حزب الدعوة بالآلاف من أنصاره للاستحواذ على أكبر عدد من المواقع التنفيذية الوسطية، ما دون درجة وزير، محكما قبضته على مفاصل إدارة الدولة.
وخلال هذه المرحلة اشتكت أغلبية الأحزاب من تهميش دورها لصالح حزب الدعوة. وتتحكم هذه المواقع بإحالة المشاريع الخدمية على الشركات المنفذة. وفي بلد تتجاوز موازنته السنوية حاجز مئة مليار دولار في المعدل، تشكل عمولات إحالة المشاريع أرقاما فلكية، يجري استخدام جزء منها في ترسيخ النفوذ الحزبي.
وارتبطت هذه المواقع في الغالب بما يعرف بـ”الهيئات الاقتصادية”، التي تنشئها الأحزاب السياسية لمتابعة أداء المسؤولين الذين يمثلونها في الدولة. ويعتقد كثيرون أن بعض هذه المواقع تناهز في أهميتها منصب الوزير في عدد من القطاعات، ما يفسر الصراع الحزبي على شغلها.
وبعد تنحي آخر رئيس وزراء “دعوي” من السلطة، تبدو المناصب الوسطية جائزة كبرى، يمكن لعادل عبدالمهدي أن يضمن من خلالها رضا العديد من الأطراف على حكومته.
ومع ذلك، أثارت هذه الأنباء جدلا واسعا في أوساط المراقبين، في ظل حرص مختلف الأطراف على تكريس نزعة المحاصصة، التي تحكم عملية ملء المناصب الحكومية.
ولم يقدم رئيس الحكومة أي ضمانات تتعلق بالتزام الحكومة بإغلاق “الهيئات الاقتصادية” الحزبية، أو الحدّ من نفوذها في مؤسسات الدولة، بل يعتقد مراقبون أن توزيع المواقع الوسطية في الجهاز التنفيذي على طيف حزب واسع سيعمّق حالة الفساد المستشرية في البلاد.
وشاعت أنباء خلال الدورات الحكومية الماضية عن عرض مناصب تنفيذية وسطية حصلت عليها أحزاب بموجب صيغة المحاصصة، في مزاد مالي، إذ بلغت قيمة بعض المواقع الملايين من الدولارات.
لكن عبدالمهدي العاجز عن مواجهة النفوذ السياسي الهائل الذي تملكه الأحزاب الكبيرة، لا يملك الكثير من الحلول لتهدئة الراغبين في الحصول على حصتهم من “دجاجة الدولة، التي تبيض ذهبا”، على حدّ وصف مراقبين، في ظل ترشيحه لمنصبه بشكل فردي، من غير حزب سياسي يحميه في البرلمان.
وإذا ما أراد رئيس الوزراء العراقي استكمال فترته على رأس السلطة، فعليه أن يرضي الأحزاب التي تملك تأثيرا برلمانيا واسعا، يمكن استخدامه في أي لحظة لطرح الثقة في الحكومة.
وبعكس ما توقع الكثيرون فإن عرض المناصب التي كان أعضاء في حزب الدعوة يحتلونها في المزاد السياسي العلني، لا ينطوي على رغبة في الإصلاح ومحاربة الفساد بل على إعادة تدوير ذلك الفساد الذي أصبح بمثابة لازمة للمناصب الحكومية في ظل وجود الهيئات الاقتصادية التي تقوم بتمويل الأحزاب من المال العام عن طريق الصفقات المشبوهة.
ووصف الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف إعادة تسويق المناصب الحكومية بالأمر الخطير الذي ينذر بتحوّل بوصلة الفساد من الكتلة التي يتزعمها نوري المالكي إلى التحالف الذي سبق له أن رفع شعار الإصلاح هدفا له في الانتخابات الأخيرة.
واعتبر يوسف في تصريح لـ”العرب” أن العراق قد أصيب بداء لا علاج له إلا عن طريق إسقاط العملية السياسية برمتها، وهو ما لا يمكن تحقيقه في ظل المعادلات الإقليمية والدولية التي تحكم العراق.
وقال “لقد أصبح جليا أن أي منصب في الدولة العراقية لا ينطوي على أداء مهمة وظيفية بقدر ما يجسد القدرة على السيطرة على المخصصات المالية لمشاريع خدمية لن ترى النور بسبب غياب الرقابة المطلق وتورط هيئات النزاهة والرقابة المالية في عمليات فساد ضخمة”.
ويعد عرض تلك المناصب من قبل رئيس الوزراء على أحزاب بعينها مكافأة، سيكون على تلك الأحزاب ردها إلى رئيس الوزراء في الوقت المناسب. وهو الوقت الذي لن يكون فيه بإمكان الفاسدين إلا أن يحتمي بعضهم بالبعض الآخر في مواجهات احتجاجات شعبية متوقعة في أي لحظة بسبب غياب أو رداءة الخدمات.
ويرى يوسف أن ذلك سيكون مفيدا لحزب الدعوة أن يخلف فاسديه في مناصبهم فاسدون من أحزاب أخرى. فهو عن طريق صعود الفاسدين الجدد سيكون في مأمن عن أي مساءلة قانونية.