مؤتمرات عدة تعقد للبحث في الحلول الناجعة لاسترجاع النمو واستقطاب الاستثمارات، ولم نسمع ببحث مفيد حتى تاريخه، والمقابلات التلفزيونية تركز على الفساد كظاهرة عامة من غير ان تطرح حلولاً ناجعة والحقيقة ان الخطوات الاولى المطلوبة واضحة.
1- يجب الغاء القانون الذي يعاقب المشتكي من الرشوة وممارسة الشريك المضارب مع متعهدي انجاز مشاريع أساسية للقطاع العام ما لم يقدم الاثباتات الحسية الرسمية. ان هذا القانون انما شرع لحجب القدرة على اتهام المسؤولين بالرشوة والفساد، لان من يقدم شكوى ولو استنادًا الى معلومات اكيدة يمكن ان يسجن هو أو هي في حال عدم تقديم براهين رسمية على شطط وتضخيم لاسعار الخدمات او المنتجات المستحصل عليها لحساب الدولة ومن ثم تسويقها.
2- قانون من اين لك هذا؟، ويفرض هذا القانون على كبار المسؤولين والنواب والمديرين العامين الخ التصريح عن اموالهم السائلة واملاكهم، سواء في لبنان أو في الخارج للتحقق من انهم حصلوا على الاموال النقدية من ممارسة أعمال واضحة خضعت للضريبة، وكذلك الامر بالنسبة الى الاملاك. والقول بان هذا القانون يجب ان يعلق ويلغى يعود الى كيفية التحقق من الثروات اذ يفترض في الوزير أو النائب أو أي مسؤول رئيسي في الدولة ان يسجل جردة بامواله وأموال زوجته واولاده، ويضع لائحة في مغلف مختوم يحفظ لدى الهيئة القضائية العليا، ولا يفتح المغلف الا بعد وفاة المصرح، وعلى الغالب تسييله املاكاً وتحويله الاموال الى ودائع أو استثمارات خارج لبنان من الصعب التحقق من قيمتها. هكذا نشرع مبدئيًا لضبط الاستفادة غير الشرعية وينتهي الامر بتشريع حماية المستفيدين من استحالة معرفة اوضاعهم في حياتهم.
اذا تبنّى مجلس النواب تشريعات تحل محل القانونين المعمول بهما، قد يصير من الممكن تحسين ضبط الفساد ومشاركة المسؤولين الشركات والافراد الناشطين في نتائج اعمالهم دون وجه حق. والى حين تعديل القوانين وتشكيل محاكم وتعيين خبراء فنيين، لن تكون هنالك محاربة للفساد وضبط لأطماع المسؤولين في ارزاق المواطنين الناشطين والشركات الناجحة.
الانتظار لاستصدار التشريعات المناسبة وتشكيل اللجان الحيوية لتطبيق التشريعات الجديدة المتكاملة سيكون طويلاً وفي هذا الوقت سيستمر الحديث العقيم عن الفساد ومرتشين في الجمارك او دائرة تسجيل السيارات والآليات ومتدخلين في تسيير شؤون قضائية الخ. وكلما طال انتظار التشريع الجديد ووسائل تنفيذه، سيطر الضجر على المواطنين بحيث يصبحون مع الوقت راغبين في ايقاف الحديث عن الفساد ما دام الكلام معمماً بشكل غير مقنع وغير مجد، فيسقط اللبنانيون في غيبوبة السعي الى المحاسبة والى مواجهة تحديات المعيشة المكلفة في لبنان.
ان الضرر الاكبر من استمرار الكلام والتعليقات على الفساد وتأخير الاصلاحات الحيوية سيؤدي الى تراجع الهيئات وممثلي الدول الذين شاركوا في مؤتمر “سيدر” الذي انعقد قبل سنة في باريس عن الاقدام على توفير التمويل الذي يفترض ان يوجه الى مشاريع محددة أوجدت دراساتها من أدراج خاصة للمشاريع المؤخرة، وتالياً لن تكون المساعدات متوافرة، الا بعد بدء تنفيذ خطة جدية للكهرباء. فالخطة المقدمة ليست جديدة ولا معنى لها ما دامت الخسارة على الخطوط وفي وسائل انتاج المعامل حيث تبلغ كلفة انتاج الكيلووات/ ساعة وايصاله الى المستهلك 22-23 سنتاً، مقابل انتاج وتسليم في زحلة بمعدل 14 سنتاً، وهذا المستوى من التسعير مع توفير الكهرباء 24/24 لزحلة وجوارها دفع المواطنين الى التخلي عن الاشتراكات في المولدات الخاصة التي كانت ترفع كلفة الكيلووات/ ساعة الى 24 سنتاً.
بداية نهاية ازمة الكهرباء واضحة وتتمثل في اعتماد المنهاج الذي اقترحته شركة “سيمنز” خلال زيارة المستشارة ميركل مع عدد كبير من رجال الاعمال للبنان. والخطة المعمول بها في المانيا اعطاء رخص للشركات الخاصة لتأمين الكهرباء للمناطق السكنية باعتماد مولدات تكفي حاجات المدن الصغيرة والكبيرة، والاستغناء عن المعامل التقليدية ووضع مسؤولية العمل في ايدي الشركات الخاصة، على ألا تتجاوز تسعيرة تسليماتها مستويات تعتبر مقبولة لدى السلطات الرسمية، ويجري كل ذلك عن سبيل تشجيع الاستثمار من الشركات الخاصة وتشجيع التنافس بينها.
يستطيع لبنان ان يبدأ معالجة مشاكله البنيوية بتسوية ازمة تأمين الكهرباء واختصار عجز مصلحة كهرباء لبنان سنة 2019 بما يساوي أو يزيد على 800 مليون دولار، وسنة 2020 حين يكون انتاج الكهرباء في ايدي شركات خاصة يزول العجز كليًا، شرط الغاء مصلحة كهرباء لبنان إلّا للمشاركة في تحديد رسوم الاستهلاك، وتكون الخسائر قد انعدمت وتكاليف موظفي مصلحة كهرباء لبنان، وبند التصليحات الذي يتآكل 350 مليون دولار قد زال.
اذا استطاع مجلس الوزراء تبني سياسة جدية لاختصار خسائر واعطال مصلحة كهرباء لبنان، وتحول الامر الى القطاع الخاص، يمكن التأكيد ان استثمارات الشركات الخاصة المتعددة التي لا تقل عن 10 شركات تغذي مناطق التجمع السكني، وتضاف اليها مبادرة من مصرف لبنان بالتعاون مع الصين لانجاز حقل لانتاج وحفظ الطاقة من الواح امتصاص الطاقة وتحويلها الى التخزين بحيث ننتج 400 ميغاوات في املاك مصرف لبنان في البقاع. ونلفت الانتباه الى ان الاردن رفع طاقة انتاج الكهرباء عبر حقول الالواح الزجاجية، الى 1000 ميغاوات، وقد أوقف أي زيادات في هذا المجال، لان الطاقة المتوافرة لديه من الغاز من اسرائيل ومصر اضافة الى الطاقة من الالواح الحرارية أدت الى فائض يمكن تسويق بعضه.
استثمارات شركات توليد الكهرباء لجميع المناطق الآهلة في لبنان تستدرج على الاقل ملياري دولار، واستثمارات الطاقة من الالواح الحرارية، ومن مشروع انتاج الطاقة من المراوح الهوائية الذي قدمته شركة خاصة منذ ثلاث سنوات والذي يقوم في منطقة عكار ويؤمن الطاقة بكلفة لا تتجاوز الـ10 سنتات للكيلووات/ ساعة تستدرج 500 مليون دولار… فيكون لبنان قد تخطى الأخطار المالية لسنة 2019 وسنة 2020 واستعاد القدرة على استقطاب الاستثمارات.
اعتبارات النجاح والفشل واضحة ولن يكون هنالك نجاح ما لم يتم اختيار ابعاد انتاج الكهرباء وتوزيعها عن الدولة وتوزيعه على عدد من اصحاب الاختصاص. وللذكرى نشير الى ان دبي احتاجت قبل سنوات الى إضاءة أهم شوارعها الرئيسية الذي سمي باسم أمير أبو ظبي، وقد تولت هذه المسؤولية شركة لبنانية وفرت الاضاءة للشارع والابنية على جوانبه التي شملت فنادق درجة اولى مثل Sofitel.
من المؤكد أن خطوة تخصيص الكهرباء تأخرت كثيرًا واسهمت في زيادة الدين العام خلال 10 سنين 25 مليار دولار، اضافة الى الفائدة. وربما من المفيد الاشارة الى ان تخصيص 25 مليار دولار لو تم على عشر سنين لكان وفر لنا 30000 ميغاوات كانت لتكفي حاجات لبنان وسوريا والاردن. لكن التفكير الرسمي كان دوماً قصير النظر والبرهان الساطع الـ1000 ميغاوات من الالواح الحرارية التي توافرت للاردن بتكاليف تقل عن مليار دولار.
عسى ان نفيق على حاجة ملحة لتركيز العقل واعتماد سياسة مخالفة للسياسة المطروحة.