معظم الدول الغربية، والمؤسسات المالية الدولية قلبها على لبنان، وتضعه في صلب أولويات اهتماماتها، وتركز على مسؤوليه في المقام الأوّل على ضرورة ترك خلافاتهم جانباً والانكباب على إصلاح أوضاع بلدهم التي لم تعد بخفية على أحد، وفي مقدمتها محاربة الفساد المستشري في كل دوائر الدولة، ومرافقها العامة، ووقف هدر المال العام بإجراءات تقشفية يعرفها هؤلاء المسؤولون بشكل جيد، ولا تقتصر النصائح على المواقف التي تصدر عن مسؤولي هذه الدولة، بين الحين والآخر، وكلما ارتفعت أصوات اللبنانيين المعذبين والمقهورين تطالب الزعماء وأرباب السلطة بوقف الهدر وسرقة المال العام، بل تحوّلت إلى تحركات في الساحة اللبنانية، فلا تمر أسابيع وحتى أيام من ان يجول ممثّل عن البنك الدولي الذي هو أكبر مؤسسة دولية في العالم على المسؤولين اللبنانيين من رئيس الجمهورية إلى رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء ولسان حاله الإصلاح فالإصلاح ثم الإصلاح، ويعيد بذلك كل ما يرد على ألسنة المسؤولين الأجانب الذين يزورن لبنان أو الذين يلتقون بمسؤولين لبنانيين في الخارج.

بالأمس حط وفد من البنك الدولي في بعبدا ومنه إنتقل إلى مجلس النواب ولسان حاله في كلتا الزيارتين حث المسؤولين اللبنانيين على تنفيذ خطوات تثبت جدياً ان الدولة سلكت طريق وقف الهدر ومكافحة الفساد، لأن الوقت ضاغط ولا يملك لبنان ترف المماطلة نظراً إلى وضعه الدقيق، وعليهم ان يضعوا خلافاتهم مهما كانت حدتها جانباً والانكباب على معالجة مكامن الداء الاقتصادي مع التأكيد على أن أية مؤشرات إيجابية تصدر من المسؤولين اللبنانيين ستقابل بعشر خطوات إيجابية من الصندوق الدولي ومن الدول المانحة التي وعدت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» الا انهم في المقابل يدقون جرس الانذار من ان تقصير الحكومة في القيام بمهامها وفق خطط جدية سيعني إضاعة الدعم الخارجي.

ويبدو حتى الساعة ان المسؤولين اللبنانيين عاجزون عن إعطاء أي وعد للبنك الدولي وللجهات المانحة بالاستجابة إلى النصائح ورسم الخطط العلمية التي توحي بالثقة بسبب استمرار الخلافات في ما بينهم على الأولويات، وعلى الخطوة الأولى التي يجب ان يبدأوا بها لتحقيق الإصلاحات التي يطلبها أو يشترطها البنك الدولي والجهات المانحة، وعلى سبيل المثال لا الحصر مشكلة الكهرباء التي ما زالت عالقة بسبب الخلافات بين أعضاء الحكومة حول معالجتها وأحيلت بسبب ذلك مقبرة المشاريع أي لجنة وزارية فرعية، ما يكفي لإيصال الرسالة إلى المجتمع الدولي تؤكد عجز المسؤولين وفي مقدمتهم الحكومة عن التوصّل إلى قرار جامع لإصلاح وضع الكهرباء في لبنان بما يوقف الاستنزاف المتمادي لخزينة الدولة، وغيرها من القطاعات العامة المطلوب تحقيق إصلاحات جذرية داخلها وفي المقدمة وقف الهدر العام، الذي تجاوز قدرة الدولة على تحمله، وبات يُهدّد بإسقاطها ناهيك عن الفساد المستشري وطريقة محاربته بالرغم من دعوات كل الطبقة الحاكمة إلى وجوب اجتثاث هذه الآفة التي تنخر جسم الدولة، وتكبد الخزينة العامة خسائر فادحة إضافة إلى ما تسببه من إساءة إلى سمعة لبنان تجاه المجتمع الدولي.

والخلافات داخل مجلس الوزراء لا تقتصر على كيفية حل مشكلة الكهرباء بل تتعداها إلى أمور أخرى سياسية كثيرة مازالت تشغل الدولة وتعطل حركتها كمثل أزمة النزوح السوري والانقسام الحاصل على طريقة معالجتها والتخلص من اعبائها المختلفة على لبنان إلى موضوع سياسة لبنان الخارجية ومن هي الجهة المسؤولة عن هذه السياسية، هل هو رئيس الجمهورية أم رئيس مجلس الوزراء أم وزير الخارجية الذي نصحته روسيا بأن يزور دمشق ويبحث مع الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته في سبيل إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم ومدى استعداد النظام السوري على تقديم الضمانات الكافية لتسهيل عودتهم، مع علم الرئيس بوتين بالانقسام داخل الحكومة في هذا الشأن.

ان كل ذلك من شأنه ان يجعل من النصائح الدولية التي تثقل كاهل المسؤولين مضيعة للوقت لا أكثر.