أطلق الصناعيون اللبنانيون صرخة مدوّية، جراء التدهور الذي يعانيه هذا القطاع، وغياب الرعاية الرسمية له، الذي «يترجم بإقفال مئات المصانع سنوياً، ويفقد آلاف العائلات اللبنانية لمورد رزقها». واللافت أن المؤتمر الصحافي الذي دعت إليه «جمعية الصناعيين اللبنانيين»، لإعلان «حالة الطوارئ الصناعية»، انعقد أمس برعاية وحضور وزير الصناعة وائل أبو فاعور الذي أعلن صراحة أن «الصناعة في لبنان منكوبة»، مؤكداً أنها «ليست منكوبة بإرادة الصناعيين أو العمال، بل بإرادة غياب رؤية سياسية تعطيها المكانة التي تستحقّها في ذهن صانع القرار». وأعلن أبو فاعور أنّ «الصناعة تعمل من دون حماية ومن دون رعاية ودعم، وقسم غير قليل من الاتفاقيات الاقتصادية بين لبنان ودول أُخرى يحتاج إلى إعادة نظر، لأنّها غير عادلة وجائرة».
وجاء التوصيف لواقع الصناعة المتردّي على لسان رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل، الذي أعلن أن «المخاطر تتسارع والجميع خائف من الانزلاق إلى الأسوأ، لأن الهوامش ضاقت والوقت أصبح سيفا اقترب من الأعناق وهناك من يتلهى بالمناكفات». وقال الجميل خلال المؤتمر الصحافي: «ينتابنا القلق العميق اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحتى وجوديا، بفعل غياب العمل الجاد لوقف النزف والتراجع»، مؤكداً أن «الاقتصاد يترنح، وأن أصحاب العمل لا سيما الصناعيين لم تكن لديهم الرغبة للتحرك بسلبية، لكنّ في ظل صعوبة الأوضاع نعلن رفضنا استمرار التجاهل لواقعنا الصعب، وأصبحنا على قاب قوسين من إقفال مؤسساتنا ومصانعنا»، داعياً الحكومة ومجلس النواب إلى «اتخاذ كل الخطوات المطلوبة للخروج من الأزمة». وقال: «يجب على الحكومة وخلال 100 يوم أن تعالج الأمور وتمدنا بالثقة، واحتساب الوقت يبدأ الآن».
وفنّد رئيس جمعية الصناعيين مكامن الخلل الذي يضرب هذا القطاع، وأضاف: «الصناعة اللبنانية تتعرّض لحربٍ من الداخل والخارج ومنافسة غير مشروعة، ومؤسسات غير شرعية، وتهريب عبر معابر برية وبحرية مشرعة وتهريب مقونن، وهذا ما أدى إلى إقفال مئات المصانع وتشريد مئات العائلات».
ورغم طرح أرقام غير محددة للمؤسسات التي تقفل، أوضح رئيس لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة النائب نعمت أفرام، أنه «لم تصدر بعد دراسة دقيقة عن المصانع والمؤسسات التجارية التي تقفل أبوابها سنوياً، لكن المعطيات تؤشر إلى منحى خطير». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الانحدار السريع للوضع الصناعي في لبنان، مردّه إلى الركود والمنافسة غير المشروعة للصناعات الوطنية، وإلى الفوائد المصرفية المرتفعة على المصانع، بالإضافة إلى المصاريف التشغيلية واليد العاملة المكلفة جداً». وشدد أفرام على أن لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة «رغم أن دورها رقابي وتشريعي، تحاول أن تنقل صرخة الصناعيين إلى المسؤولين، وتعمل على تحضير مجموعة من القوانين بعضها سريع والبعض الآخر يقوم على الحلول المتوسطة والبعيدة الأمد».
وبينما ترفض الجهات الاقتصادية الإعلان عن الأعداد الحقيقية للمؤسسات التي أقفلت أبوابها، واكتفاء جمعية الصناعيين بالتأكيد على أن مئات المصانع والمؤسسات توقفت عن العمل وصرفت موظفيها، أوضح الباحث في الشركة «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، أن «الإحصاءات غير الرسمية تتحدّث عن إقفال 1500 مؤسسة ومصنعاً في العام 2018، من دون تصنيف هذه المؤسسات وحجمها وعدد العاملين فيها». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المؤسسات تتفاوت بين صغيرة وكبيرة، لأن الشركات المقفلة لم يعرف حجم رأسمالها ولا عدد موظفيها، ولم تقفل حساباتها في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، ولفت شمس الدين إلى أن «نحو 80 في المائة من هذه المؤسسات لم تصرّح عن موظفيها في الضمان، وغير مصرّح عنها أصلاً في السجل التجاري».
من جهته، رأى الخبير الاقتصادي مروان إسكندر، أن «الأرقام التي يطرحها رئيس جمعية الصناعيين لا يستهان بها؛ خصوصاً أن الأخير يتمتع بالجدية والاستقامة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الإصلاحات التي وضعها مؤتمر «سيدر» تتحدث عن الإصلاح في قطاع الكهرباء، وهذا أهم ما يشكو منه الصناعيون في لبنان». وذكّر بأن «المصانع اللبنانية التي تستهلك كماً كبيراً من الكهرباء تدفع 25 سنتاً للكيلوواط الواحد، بينما كلفته في دول أخرى لا تتعدى الـ5 سنتات للكيلوواط الواحد»، مشيراً إلى أن «الحكومة اللبنانية غير قادرة على الانطلاق لمعالجة الأزمات الاقتصادية المستفحلة، بسبب التناقضات بين مكوناتها، وبالتالي لن تكون قادرة على توفير الحلول للقطاع الصناعي وللاقتصاد بشكل عام».