تحتفل باريس بزيارة توت عنخ آمون لها ضمن معرض "توت عنخ آمون-كنز الفرعون"، إذ انتشرت الصور في الميتروهات وفي الطرقات مبشّرةً بزيارة الفرعون الشابّ وما يخفيه من أسرار، لكن، نكتشف أن التعامل مع الصحافة مختلف، فأي زيارة مهنيّة للفرعون من قبل الصحافة العربيّة قد تثير شكّ السيسي، إذ كتب الصحفي اللبناني محمد الحجّي، مراسل قناة العربي على جداره على فايسبوك: " لتصوير تقرير عن معرض توت عنخ آمون في باريس، الذي تنظّمه فرنسا، يجب أن تحصل القنوات العربيّة حصراً على موافقة سفارة مصر في باريس، والتي تدرس طلبات الصحفيين فرداً فرداً، وهي فقط من يُقرّر.
هذا كان جواب المسؤول الإعلامي (الفرنسي) للمعرض" وأضاف الحجّي " إنه زمن ماكرون اللعين، كلب السيسي، حريّة الصحافة على المحكّ في عهده".
لا يمكن أن ننكر أهميّة هكذا حدث بالنسبة للمواطن الفرنسي الذي يمرّ بجانب المسلّة المصريّة في ساحة الكونكورد، وغيرها من المقتنيات المتنوّعة في المتاحف والمجموعات الخاصّة، والأهمّ، أن زيارة الفرعون هذه لباريس، ليست الأولى، إذ سبقتها زيارة عام 1967، حوت المجموعة الفرعونيّة وقتها 40 غرضاً من مقبرته، والآن في الزيارة الثانية، هناك 150 غرضاً في صالة لا فيلت الكبيرة، تأسر الزائر الذي يشاهد أغراضاً ذهبيّة وعاجيّة مختلفة يبلغ عمرها ثلاثة آلاف عام، ماتزال بحالة ممتازة.
أعاد السيسي، كجزء من سياسته لتطوير وتحديث مصر، العملَ على مشروع متحف مصر الكبير، الذي بدأه مبارك عام 2002، لتكون جولة توت عنخ آمون والمرتبطة بالمتحف، ثمرة تعاون بين وزارة الآثار المصريّة ومركز العلوم في كاليفورنيا، إذ بدأت جولة الفرعون المصري في لوس أنجلوس، مروراً بعشر مدن، منها سيدني ولندن، ثم سيعود الفرعون إلى مصر، إلى المتحف عام 2022، أي بعد 100 عام بالضبط من تاريخ اكتشاف مقبرته، الأهمّ أن ريع هذه الجولة سيعود لإتمام بناء المتحف. على النقيض نقرأ في الصحف المصريّة عن عمليات الفساد والهدر في بناء المتحف، والخسائر الهائلة التي حصلت أثناء بنائه واختفاء ملايين الدولارات من التمويلات اليابانيّة والأمريكيّة المقدّمة من أجل إتمامه، لتبدو جولة توت عنخ آمون أشبه بحملة تبرّعات من أجل إتمام المتحف.
من حقّ أي دولة أن تقوم بالترويج للسياحة والتراث الإنساني الذي تمتلكه، لكن هناك سخريّة عميقة فيما يخصّ المعرض، إذ قام متحف اللوفر بإعارة المعرض تمثالاً للإله آمون وهو يحمي توت، وهنا تكمن السخريّة التي لا حاجة لشرحها، لكن، وبحسن نيّة، هناك مطالب دائمة لاستعادة الأعمال والتحف المسروقة من مصر، كحجر رشيد، ورأس نفرتيتي، وغيرها مما نُهب في الفترة الاستعماريّة، صحيح أن الفرنسيين ساهموا بشقّ قناة السويس، واكتشاف حجر رشيد وصناعة كل التاريخ الاستشراقي، لكن هل هي ضريبة على توت أن يدفعها؟
طرح البعض في الصحافة الفرنسيّة تساؤلات عن سبب غياب قناع توت الذهبي الشهير، والذي قال دونينيك فاروت المستشار العلميّ للمعرض بأنه "أيقونة مصر، أشبه بروح المصريين"، هذه المبرّرات الوطنيّة مقنعة، لكن لم مثلاً لا تتنقل باقي أعمال التراث الإنساني في أنحاء العالم؟ كالموناليزا التي لا تغادر اللوفر، أو جسد لينين المحنّط؟
لن نتحدّث عن الأعمال الموجودة في المعرض، لا لشيء، كوننا لا نتناول جماليات الحقبة الفرعونيّة ولا تاريخها، لكن لابد من الإشارة إلى سبب شهرة توت عنخ آمون، والذي يعود إلى الموت الذي لاحق كل من ساهموا باكتشاف قبره عدا البريطاني هاورد كارتر، من اكتشف القبر حرفياً، إذ بدأت لعنة توت تتشكّل، إثر موت مموّل الحملة الاستكشافيّة حينها جورج هيربريت، والذي قال آرثر كونان دويل، مؤلف روايات شرلوك هولمز، أن سبب موته هو لعنة توت عنخ آمون، التي تقتل كل من يحاول سرقة "كنزه"، لتتحوّل بعدها إلى موضوع العديد من الأفلام والأساطير، التي تتداول العبارة التي وجدها كارتر على لوح على الأرض قبل دخوله القبر: " أجنحة الموت ستمسّ ذاك الذي يزعج نوم الفرعون" إلا السيسي.
ملاحظة: لا يوجد أي عمل صحفي استقصائي في هذا المقال، بل هي تساؤلات ثقافيّة.