ويشعر سكان تونجلي، ومعظمهم من العلويين والأكراد، أن الحكومة تتجاهل هويتهم السياسية والثقافية. ويرى كثيرون منهم أن إقالة العمد الذين انتخبوهم تمثل إهانة للناخبين. وستكون هذه المظالم ماثلة في أذهانهم وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع ليدلوا بأصواتهم في الانتخابات المحلية والتي تحمل إمكانية تغيير سياسات الحكومة إزاء الأغلبية الكردية في جنوب شرق البلاد.
ويأمل حزب الشعوب الديمقراطي في إعادة شغل مقاعد هؤلاء العمد بمرشحين جدد ينتمون إليه من خلال الانتخابات التي يخوضها تحت شعار “إنها تنتمي لنا”. وقالت المرشحة المشاركة للحزب لمنصب عمدة تونجلي نصرت يسيل “يتمثل هدفنا في استعادة المناصب المحلية التي انتزعت منا… الأمر بالنسبة لنا يتعلق بالكرامة، ولا ينبغي إضفاء الشرعية على نظام الرجل الواحد”. وكانت يسيل تعمل ممرضة في السابق وجرت إقالتها من مركز للرعاية الصحية تابع للدولة كما تم منعها من السفر.
وفي مدينة سيزري لا يختلف الوضع، حيث شهدت بدورها أعمال عنف سنة 2015 بين الأكراد وقوات الأمن. وعلى إثر هذه الأحداث أحكمت الحكومة قبضتها على المدينة وشنت حملة اعتقالات واسعة ضد سياسيين أكراد، من بينهم بيريفان كوتلو المرشحة لمنصب رئيس بلدية مدينة سيزري.
وتعكس كوتلو، في تصريحات نقلتها صحيفة فايناشيل تايمز، أصوات أغلب الأكراد وهي تتحدث عن مواجهة حملات الحكومة، قائلة “لقد أرادوا كسر إرادتنا وكسر شعور الأمل بين الناس. لقد أرادوا كسر حملتنا”، مضيفة في ردها على تهديدات أردوغان “نعم، إذا فزنا، فقد يفتكّون انتصارنا منا، لكننا لن نتوقف عن العمل. ولن يمنعنا هذا من مواصلة المواجهة”، وهو هدف تغذيه لا فقط تصريحات أردوغان وعمليات الاعتقال، بل أيضا تصاعد عمليات الانتحار في صفوف الأكراد المعتقلين.
وفي خضم الحملات الانتخابية، انتحرت ناشطة كردية الاثنين في سجن تركي. وانتحار ميديا تشينار هو الرابع كما قالت لفرانس برس مسؤولة في حزب الشعوب الديمقراطي. وكانت تشينار متهمة لصلاتها مع حزب العمال. واعتقلتها السلطات في سجن فان (شرق)، ثم نقلتها إلى ماردين (جنوب شرق) لجلسة محاكمتها، حيث انتحرت. وكانت أوغور سكار وزلكوف غيزين وأيتن باشات انتحرن بعد أن بدأت في الثامن من نوفمبر النائبة الكردية ليلى غوفين إضرابا عن الطعام.
ويذكّر الأكراد أردوغان بدعمهم له خلال مسيرته على رأس السلطة في تركيا على تأييد الناخبين الأكراد في المنعطفات الحاسمة في حياته السياسية، ففي عام 2003 تم انتخابه نائبا في البرلمان عن محافظة سيرت في جنوب شرق البلاد، وسرعان ما أصبح بعدها رئيسا للوزراء
الأكراد ودعم أردوغان
تمكن أردوغان من تأمين قاعدته الانتخابية بين المتدينين الأكراد حتى عقب انهيار عملية السلام التي استمرت لأكثر من عامين مع حزب العمال الكردستاني.
لكن اليوم، من الصعب على أردوغان أكثر من أي وقت مضى أن يكسب قلوب الأكراد، خاصة في المنطقة الجنوبية الشرقية حيث تصاعدت مشاعر متحدية ضد مجالس الأمنا، ومع المتاعب الاقتصادية وارتفاع معدل البطالة. بل إن تيار الرفض ضد حكومة أردوغان الإسلامية المحافظة قد أصبح أكثر شدة في مدينة ديار بكر التي تبعد 230 كيلومترا عن تونجلي شرقا.
وشهدت ديار بكر اشتباكات عنيفة بين عناصر حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن نجمت عنها العديد من الخسائر في الأرواح عام 2015، وأدت التوترات بالمنطقة إلى تعيين الحكومة مجالس للأمناء فيها عام 2016.
وتقول سيبل (33 عاما)، وهي تشارك في احتفالات عيد النيروز، رأس السنة الكردية، في ديار بكر، “إننا لا نقبل أن يتم تدجيننا بالجوع وسنستعيد ما هو حق لنا في الانتخابات”، وتم فصل سيبل وزوجها من بلدية ديار بكر بعد وقت قصير من تولي مجلس الأمناء السلطة.
وتعد سيبل نموذجا للآلاف من الشباب العاطلين في ديار بكر، لكنهم يفرضون في نفس الوقت سياسات حزب العدالة والتنمية الاستثمارية، والتي يكون ثمنها أصواتهم. وفي ديار بكر كما في سيزري وتونجلي يقدم حزب العدالة والتنمية حملات استثمارية ويحث الناخبين على التفكير في الأموال التي قد تتدفق إذا ما فاز الحزب.
لكن العديد من السكان المحليين يرفضون هذه الإغراءات المادية، فيما تنقل فاينانشيال تايمز عن مدير في شركة محلية قوله إن الأمر “لا يتعلق بالخدمات، بل بالأيديولوجيا والسياسة والهوية”. وتقول لورا بيتيل، المحللة في فاينانشيال تايمز، “عمل أردوغان في السنوات الماضية على اجتذاب الدعم الكردي من خلال البحث عن حل للنزاع مع حزب العمال الكردستاني. أما اليوم، فهو يستخدم القومية التركية لتعزيز دعمه المتدني، مهددا بـ’دفن’ الميليشيات الكردية ويطلب من أولئك الذين يريدون العيش في كردستان الانتقال إلى شمال العراق”.
ويوضح وهاب كوسكون، وهو أستاذ للقانون بجامعة دجلة في ديار بكر، أن هذه الانتخابات “تمثل اختبارا حاسما لأردوغان وحلفائه القوميين”. ويضيف أنه “في حالة فوز حزب الشعوب الديمقراطي في المدن الكردية رغم استخدام أردوغان أجهزة الدولة والأمن، فستضطر الحكومة إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، وإعادة التفكير في سياستها تجاه المنطقة الجنوبية الشرقية”، منوها إلى أن أردوغان “قد يضطر إلى إحياء عملية السلام التي أصبحت في عداد الأموات”.