أن يقصد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبنان في المرحلة الراهنة أمر مفهوم، وكذلك زيارته بعض الأماكن الرسمية الرمزية أو المقامات الدينية الأثرية التي من الممكن إدراجُها ضمن إطار زيارات المجاملة للبلد المضيف. لكن ما لا يمكن فهمُه هو زيارة رئيس الاستخبارات الأميركية السابق ووزير الخارجية الحالي لمدينة جبيل ولقرية «بحديدات» تحديداً، ضمن زيارة رسمية خاطفة للبنان لم تدم سوى يومين ليعود بعدها أدراجه من دون الإفصاح عن سبب زيارته لـ«بحديدات». فهل لقاعدة حامات علاقة بزيارة بومبيو الى «بحديدات»؟
تقول المعلومات إنّ هدف زيارة بومبيو لجبيل، ولقرية «بحديدات» خصوصاً التي لم يُعلن عنها مسبقاً، هو تأكيد مسار إنشاء قاعدة واسعة لإستقبال الأساطيل الأميركية «الرادعة والمراقبة» تبدأ من قاعدة حامات في البترون وتمتد الى مدينة جبيل.
وتضيف المعلومات أنّ زيارة بومبيو لكنيسة مار يوحنا الأثرية كانت أمراً عاديّاً. لكنّ تقصّدَه زيارة قرية «بحديدات» الصغيرة التي تطلق عليها تسمية «منطقة الحروف» وتعتبر قاسية جغرافياً ولها ميزة استراتيجية وهي عبارة عن مرتفع يأخذ شكل «دلتا» أو «قرن» نافر من الأرض ومن السهولة أن تُرصَد منه منطقة سلعاتا بكاملها، يعتبر أمراً غير مألوف.
وبالنقاط العسكرية يمكن هذه البقعة أن تؤمّن للأميركيين اتّصالاً مباشراً مرئياَ واضحاً ومتواصلاً مع قاعدتهم المفترضة في حامات، وبالتالي لا يمكن عرقلة أيّ اتصال لاسلكي او أيّ نوع آخر من الإتصالات مع تلك القاعدة أيضاً. علماً أنّ «حروف» بحديدات تشكّل في الوقت نفسه سلسلة مترابطة متداخلة بعضها مع بعض...
خريطة تظهر حاكمية موقع بحديدات على بحر جبيل
وتوضح المعلومات أنّ قاعدة حامات تفرض إعتماد بقعة بحديدات للمراقبة خصوصاً أنّ المراكز العسكرية تستوجب إعتمادَ مجموعة نقاط مراقبة بعضها يساند بعض جانبياً، وتؤمّن التواصل والإتصال.
على أنّ بحديدات وحامات تشكلان نقطتين تشرفان على البقعة المحيطة بالقاعدة البحرية الأميركية، وتؤمّنان المراقبة والإتصال، ذلك أنّ موقعيهما الجغرافيَّين أحدهما يساند الآخر في المهمة، فإذا أقام الأميركيون قواعد عسكرية في لبنان يمكنهم من مواقع جغرافية مختارة حمايتها من حامات حتى جبيل.
وعلم أنّ الولايات المتحدة الأميركية تبرّعت بهبة مقدارها نصف مليون دولار لترميم كنيسة في بحديدات، فيما تساءل البعض عن سبب عدم تبرّعها لترميم كنائس مهمة وأكثر عراقة في لبنان تضاهي بأهميتها الهندسية، وليس الرمزية فقط، كنيسة بحديدات المتواضعة، لا بل إنّ هناك مئات من الكنائس الأثرية العريقة أكثر حاجة الى ترميم، ولا سيما منها تلك التي يفوق عدد رعاياها قرية بحديدات ولم تتبرّع الولايات المتحدة لترميمها حتى بمبالغ زهيدة.
علماً أنّ نحو نصف مليون دولار، وهو المبلغ الذي خصّصته لترميم كنيسة بحديدات، يمكن أن يُشترى به نصف مساحة أراضي البلدة التي يبلغ سعر المتر المربع منها عشرة دولارات تقريباً.
لكنّ أوساطاً تابعت زيارة بومبيو لبحديدات أكدت أنّ قصة ترميم كنيستها ليست سوى غطاء لزيارته الإستقصائية لبقعة قصدها قبله معنيون للإستكشاف، وقد ختمها هو بزيارته بغية الإستطلاع والتأكُّد والموافقة والتوقيع، من دون إغفال أهمية القاعدة المقرر إنشاؤها في بحديدات والتي تؤمّن التواصل المرئي المباشر مع القاعدة الأم في حامات، بحيث يؤمّن الأميركيون من حامات وبحديدات وسلعاتا خط الدفاع الآمن لبقعة الإنتشار المفترضة والمرتقبة.
فما هي أهمية بحديدات الجغرافية؟ وما الذي تؤمّنه للأمركيين؟
يجيب خبراءُ عسكريون أنها «تحدّد الحدود الجنوبية الشرقية لبقعة التمركز الاميركية المحتملة، وتُظهر الحدّ الشرقي للتمركز في البقعة المحتملة عبر وصلها بحامات، كذلك تومّن نقطة مشرفة لتركيز المراقبة والدفاعات الجوية لحماية أيّ منشأة عسكرية تُستحدَث على شاطئ جبيل، فضلاً عن تأمين حماية الرادارات البحرية التي تكشف شاطئ المدينة عبر وصلها بنقاط أُخرى مثل «بجّة» و«شبطين» و«زان» و«صورات» والتي ستشكل خط المرتفعات المشرِفة والحاكمة للساحل من حامات وصولاً الى جبيل والمنوي إنشاءُ القاعدة البحرية عليه.
ويلفت الخبراء نفسهم أنّ إنشاء قاعدة عسكرية للأميركيين في محيط مدينة جبيل ومن «حروف» بحديدات من شأنه أن يشكل أيضاً نقطة مراقبة لإمتداد «حزب الله» في المنطقة وإحتوائه.