اتحفنا كل من الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار باييف وعبد العزيز بوتفيلقة خلال اسبوعين ماضيين بتنحيهما عن السلطة مما يوهم بأننا أمام حكام مسلمين ديموقراطيين حقيقيين يكرهون الخلود في السلطة ويزهدون عنها وإن في فترة متأخرة جدا من حياتهم أي عند ما يتجاوزون العقد الثامن من عمرهم ويتم إدراج أسمائهم في لائحة ملك الموت الذي إلقي على عاتقه قبض أرواح البشر.
إن نور سلطان من مواليد 1940 وبوتفليقة من مواليد 1937 وبالرغم من أن الأخير أكبر سنا من الأول بثلاث سنوات وأصيب في العام 2013 بجلطة دماغية ويمكن إطلاق نصف المرحوم (نص المرحوم وفق العامية اللبنانية) عليه إلا أنه ألّح على نيته بالترشح للعهدة الخامسة مع الاحتفاظ بالكرسي الرئاسي عبر تأجيل الانتخابات الرئاسية ربما إلى بعد وفاته.
اما الرئيس الكازاخي السابق فاجأ الجميع بتنحيه التطوعي عن الرئاسة قبل انتهاء ولايته بعد تولي الرئاسة لثلاثين عاما تقريبا، مخلفا قاسم جومارت توكاييف كرئيس
مؤقت حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في آذار العام المقبل.
اقرا ايضا : إيران والجولان بعد قرار ترامب
وفور تنصيبه للرئاسة اقترح توكاييف إطلاق اسم الرئيس السابق على العاصمة الكازاخية تيمنا به وفعلا أقر مجلس الشيوخ ذاك الاقتراح. وانتخبت داريجا نزارباييف الابنة الكبرى للرئيس السابق رئيسة للمجلس الأعلى بالبرلمان يوم الأربعاء وهو ثاني أهم منصب في البلاد بعد الرئيس، تعويضا عن مبادرة نور سلطان الذي استقال عن منصب الرئاسة ولكنه بالرغم من ذلك سيبقى ممسكا ببعض السلطات بعد استقالته، بفضل قانون أقر في ايار 2018 يمنح وضعا دستوريا للمجلس الامني الذي كانت توصياته حتى الان استشارية فقط، ويتيح لنزارباييف ترؤس هذا المجلس حتى وفاته.. كما سيبقى ايضا رئيسا للحزب الحاكم نور اوتان.
أما الرئيس الجزائري يبدو أنه تفاجأ بامتعاض الشارع واحتجاجه على ترشحه للعهدة الخامسة ولهذا لم يتهيأ لفترة ما بعد الرئاسة ولم يكوّن مناصبا ملائمة مع تلك المرحلة على غرار نور سلطان، وربما تأجيل الانتخابا الرئاسية في الجزائر يعود إلى ملء هذا الفراغ وربما يتواطأ المعنيون في البرلمان الجزائري لخلق مناصب جديدة لعبد العزيز ليبقى عزيزا بعد انتهاء ولايته وتمحيه عن السلطة.
وإذا نضع أنفسنا في موقع الحَكَم لنحكم بينهما من حيث أن منسوب الديمقراطية عند أي واحد منهما أكثر من الآخر نبقى في حيرة من أمرهم حيث أن كلا منهما يعبد السلطة ولا حياة له إلا في أحضان السلطة.
ان رؤسائنا في العالم الإسلامي في الأغلب الأعم لا ينظرون إلى السلطة كموقع تداولي بين الناس بل كموقع رسالي على غرار الأنبياء الذين يبعثون إلى البشر ولا تنتهي مهامهم الرسالية إلا بمفارقتهم الحياة ليصدق معهم احياة هي الرسالة كما الرسالة الالهية هي الحياة.