لا شك في صعوبة استقراء المشهد الداخلي عقب عاصفة وزير الخارجية الاميركي صاحب الملامح المحيرة جدا في خليط من هجوم حاد برز في “خطبة قصر بسترس” كأنها الخطبة التاريخية للحجاج بن يوسف الثقفي في اهل بغداد، والهناءة المفرطة في انسياب موكبه سائحا وزائرا متدينا في جبيل وعند المطران الياس عوده. لا نعتقد ان مايك بومبيو الآتي الى رأس الديبلوماسية الاميركية من وكالة الاستخبارات المركزية تفوته المعطيات عن ان مواجهة بمستوى السقف الذي رفعه حيال “حزب الله” تتعذر على الواقع الداخلي اللبناني ولو انه سمع من جميع القادة الذين التقاهم انهم يرغبون في انهاء الهيمنة الايرانية على لبنان كما قال.
فاذا لم يكن مفترضا ان يفاجئ بومبيو احدا بمضمون مواقفه وهو الشخصية الاقرب الى تجسيد سياسات ادارة ترامب فان ما ساهم في تحويلها الى عاصفة انه صاغ مجمل ادبيات الحرب الترامبية على ايران و”حزب الله” وأشعل فتيلها من بيروت.
ولكن نقطة ضعف اساسية اعترت خلفية حملته وتمثلت في توقيتها غداة الموقف الصادم للرئيس الاميركي من الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان المحتلة. كان من شأن حملة بومبيو ان تحدث تفاعلا علنيا اوسع لو جاءت منعزلة عن اعلان ترامب موقفه الصاعق من الجولان قبيل وصول وزير خارجيته الى بيروت. ولعل ما يعنينا اكثر من ظروف الزيارة هو الواقع الداخلي المواكب للمواقف الاستثنائية التي اطلقها بومبيو. لا نغالي ان ركزنا الرصد على “حزب الله” الذي خصه بومبيو بأكبر هجمة وجهها مسؤول اميركي ضده، وكذلك في المقابل على الرئيس سعد الحريري ليس من منطلق كونهما يتقدمان الخصومات الداخلية بل لتقاطع تعاملهما بهدوء لافت مع مجمل معطيات الزيارة خلال وجود صاحبها في بيروت.
والحال انه في انتظار الاطلالة القريبة للسيد حسن نصرالله فان الهدوء الذي طغى على مراقبة الحزب لبومبيو خلال وجوده في بيروت تاركا واجهة المشهد لمواقف الرؤساء والمسؤولين والقوى السياسية الاخرى منها والى حين اعلان النائب محمد رعد موقفا مختصرا من الزيارة بدا اكثر من اي مناسبة مماثلة سابقة ترجمة لاقتناع الحزب بمزيد من الانخراط في التسوية الداخلية حماية له في مواجهة اعتى عاصفة حصار اميركية يتعرض لها. اما الهدوء المماثل الذي ترجمه رئيس الحكومة في النأي بنفسه عن اتخاذ اي موقف او تسريب اي معلومات ومعطيات عن لقائه وبومبيو اسوة بما فعل رئيسا الجمهورية ومجلس النواب فبدا ايضا لحسابات شديدة الحساسية تتصل بقناعات الحريري بحماية التسوية السياسية من جهة والانطلاقة الحكومية الغضة التي بالكاد اقلعت بعد شهر من نيل الحكومة الثقة.
بالتأكيد يرتكب “حزب الله” خطأ موصوفا حين يحقر في المطلق حلفاء واشنطن ولا يميز من بينهم معظم خصومه وشركائه في السلطة اللبنانية، لانه بالاضافة الى ان في امكان هؤلاء ايضا ان ينكروا وجود حلفاء لإيران ووصفهم بالاتباع لها فهم لم يحولوا زيارة بومبيو منصة توظيف واستثمار بالقدر الذي كان يخشاه كثر ولو انهم يشاركونه مواقف عدة من الحزب وايران. وقطعا لا تغيب هذه الحقيقة عن الحزب الراصد.