غادر وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبنان عائداً الى بلاده في نهاية الجولة التي قادته إلى بعض دول المنطقة ومنها لبنان ، تاركاً الكثير من الجدل حول العديد من المواقف التي لم تأتِ بجديد قياساً على حجم ما أطلقه من مواقف قبل وصوله الى بيروت، وهو ما جعلها تدخل في اطار انتظاري لن ينتهي في وقت قريب وعليه ما هي التوقعات؟
انتهت جولة بومبيو في المنطقة بما أدت من نتائج مباشرة وأخرى ستتّضح لاحقاً، فإنّ مواقفه لاقت ردود الفعل الإقليمية والدولية قبل اللبنانية، فرضتها طبيعة هذه الجولة على اكثر من مستوى بما فيها تلك التي تعني لبنان مباشرة أو تلك التي سيتحسّسها اللبنانيون لاحقاً عندما ستبدأ مرحلة تنفيذ ما تمّ التفاهم عليه في المديَين القريب والمتوسط.
فزيارته للكويت لن تنعكس بمعظم نتائجها سوى على الوضع في الكويت. كان ذلك قبل ان يصل بومبيو الى فلسطين المحتلة حيث أن المواقف والقضايا التي اثيرت ولعل أخطرها ما يتصل بالثروة النفطية في منطقة شرق البحر المتوسط ومصير الجولان المحتل.
في هذ السياق على اللبنانين أن يدققوا ويتمعنوا في قراءة نتائج زيارة بومبيو للبنان. فالملفات التي تناولها في جولته تنعكس كلها على لبنان الذي لم يغب عن مواقفه طوال فترة الزيارة وهو ما شكل امتداداً لسلسلة الرسائل التي نوى توجيهها الى اللبنانين وقادة المنطقة، ولا سيما منها تلك التي تعني الحضور الإيراني في لبنان ودور حزب الله على اكثر من مستوى داخلي واقليمي وسياسي ومالي.
وعن مواقف القيادات اللبنانية التي لم تُظِهر سراً وعلناً التوافق التام سوى على حدود لبنان البرّية مع فلسطين المحتلة وحدود المنطقة الإقتصادية الخالصة، لكن مثل هذا الإجماع افتقد الكثير الكثير، وبالتحديدً حول الدور الإيراني وحضور حزب الله في مختلف وجوه الحياة اللبنانية السياسية والأمنية والإقتصادية.
إقرا أيضا: الرسائل الأمريكية تصل والترقب سيد الموقف
وعليه، فإنّ لبنان لن يصحو غداً على واقع جديد كما يتوقع البعض، لكن على اللبنانيين من الآن وصاعداً ان يستشعروا أكثر من قبل حجم الحساسية في الموقف الأميركي تجاه العقوبات المفروضة على ايران وحلفائها والخطوط الحمر التي رُسمت في شأن الأزمة السورية وبرامج اعادة الإعمار التي تُحظِّرها حتى الآن.
هناك صعوبة جدية أن يتجاهل اللبنانيون ما يمكن ان يؤدي اليه ايّ خرق للعقوبات والعوائق المالية الداخلية والخارجية منها والمتصلة بتحجيم مصادر تمويل حزب الله وتجفيفها عملياً، ومعه بالنسبة الى بقية المنظمات الأخرى الصديقة التي تنعم بالإقامة قي مناطق محددة من لبنان بشخصياتها ورموزها الدينية والسياسية والميليشيوية والعسكرية والمالية، وخصوصاً انها في نظر الأميركيين هي التي توفر للحزب دعماً غير منظور من داخل البلاد وخارجها ومن ضمن الحدود الجغرافية للمنطقة وخارجها وصولاً الى اقاصي العالم، وهو ما ركز عليه بومبيو في اكثر من لقاء عندما تحدث عن محاولات الإلتفاف على برامج العقوبات المالية والمصرفية، مؤكداً انّ العيون الأميركية مفتّحة على كل زاوية ومنفذ من زوايا الأرض ومنافذها. وفي خطوة لافتة وتثير الاهتمام الإشارة الى زيارة بومبيو الإستثنائية للمرة الأولى لوزارة الداخلية ليستغلّها مناسبة لتأكيد الإهتمام الأميركي بالملفات الخاصة بالأمن الإستباقي، من خلال وصاية الوزارة على المديرية العامة للأمن العام وقوى الأمن الداخلي وليؤكد استمرار التعاون الإستخباري مع هذه الأجهزة واستمرار الدعم المتوافر لبرامجها الخاصة بالأمن ومواجهة شبكات تهريب وتبيض الأموال والممنوعات والإتجار بالبشر ومكافحة الإرهاب.
وبناءً على كل ذلك لا يمكن للبنانين تجاهل ما ستؤول اليه زيارة بومبيو فهي محطة مفصلية في المواجهة المفتوحة بين واشنطن وطهران، ولن تعد تنفع بعد اليوم سياسة المواربة والبهلوانية التي يترقبها الأميركيون. فعيون العالم تراقب لبنان، وما يمكن أيّ دولة القيام به مع دولة أُخرى لا يشبه ما هو قائم بين بيروت وواشنطن التي سترصد الحراك اللبناني بدقة، فدفتر الحساب فتح على صفحة جديدة مختلفة عن سابقاتها وما على اللبنانيين سوى اخذها على محمل الجد، إذ لايمكن من الآن تقدير ثمن أيّ دعسة ناقصة.