ستّ وزارات لم يتمكّن الجالسون على مقاعدها من مواجهة «قدرهم» المكتوب على جبينها منذ ولادتها، والتبرؤ من تهمة تحوّل معظمهم عاطلين عن العمل برتبة وزراء!
وزارة «المليون نازح» وأكثر حملت أوزاناً ثقيلة، أقلّه في لافتتها، لكنها في المقابل عُرّيت من كل مقوّمات الصمود والإنتاجية. لا بل اضطرّت الى مواجهة واقع وجود وزارة أخرى تنافسها على المهمة ذاتها: وزارة الشؤون الاجتماعية التي ورثت الملف من حكومة تمام سلام وأبقت عليه في مكاتبها... إلى حين صار هناك أكثر من طبّاخ، فاحترقت الطبخة.
مشهدٌ سورياليّ يجمع سيلاً من التناقضات في المواقف، يبدأ شريطه في العام 2011 مع وصول أوّل نازح سوري إلى لبنان وما تلاه من حلقات «أكشن» بين المتخاصمين، ليبلغ ذروته مع إعلان المبادرة الروسية لإعادة 890 ألف نازح إلى بلادهم.
في حكومة العهد الثانية، تكرّر مشهد الإزدواجية: وزارة الشؤون الاجتماعية لا تزال ممسكة بالملف، وتقدّم وزيرها ريشار قيومجيان بخطة عمل لمعالجة أزمة النزوح، فيما وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب يدشن أول دخوله بشمعة زيارته لسوريا التي كادت تفجّر الحكومة لحظة انطلاقتها.
لا يكمُن مشروع الاشتباك بين الوزيرين بسبب تضارب الصلاحيات وحسب، وإنما في كونهما ينتميان إلى محورين سياسيين خصمين، يكادان يتواجهان على حدّ السيف في مسألة النزوح تحديداً.
أكثر من ذلك، يوحي الغريب في أولى خطواته الوزارية أنه «طحيش»، لا بل على استعداد للمشاغبة، ولن يردعه الاصطفاف السياسي المرشّح للتفاقم في ضوء الضغط الأميركي، وإنما مدفوع برغبة فريقه السياسي في وضع اليد على ملف النزوح والتحكّم بكل «شبر» معالجة ممكنة.
في المقابل، لا يوحي قيومجيان أنّه أكثر هدوءاً. قد يبدي استعداداً لخوض «الإشتباك» بأعصاب باردة إذا ما قضت الحاجة، مدعوماً برغبة فريقه السياسي، أي «القوات» في خوض غمار المعارضة تحت سقف الحكومة، حتى أبعد الحدود، والتصدّي لكل محاولة تجاوز لدور وزارة الشؤون الاجتماعية في هذا الشأن. ولكن حتى الآن يستخدم قيومجيان «القفازات الناعمة» تاركاً الأمور لأوانها، طالما أنّ وزارته شكّلت طوال السنوات الماضية جسر التواصل بين المانحين والنازحين.
بهذا المعنى، يبدي الغريب حماسة لافتة في سحب «دوره» من «فم» وزارة الشؤون الاجتماعية، ولو أنه يؤكّد أنه لا ينوي افتعال أزمة صلاحية مع أحد، لكنه مصرّ على ممارسة مهمته على أكمل وجه، معتبراً أنّ وزارته على تواضع امكاناتها، هي المسؤولة عن «العودة»، بكل مندرجاتها السياسية، وما تفرضه من أدوار.
يشير الغريب لـ«الجمهورية» إلى أنّه يعمل على بلورة خطة عمل علمية وموضوعية لا تهدف إلى «التعدّي» على صلاحيات غيره، ولكن لرسم «بورتريه» صلاحية وزارته «الضائعة»، حيث يتم راهناً الإعداد لورشة عمل من الخبراء وأصحاب الاختصاص لوضع خطة عمل الوزارة في المرحلة المقبلة، من خلال توصيات ستُرفع الى الوزارة، قبل بلورتها في خطة نهائية تُقدّم إلى مجلس الوزراء كونه صاحب القرار.
ويضيف: «انّ الوزارة موعودة بتحسين موازنتها كما جاء في البيان الوزاري، الذي حصّن كل وزارات الدولة بوعد رفع موازناتها، على حجّة وزارة شؤون النازحين، وبالتالي يُفترض بتّ هذه العقبة في وقت قريب بعد رفع ورقة عمل الوزارة».
ويؤكّد الغريب، «أن وزارة شؤون النازحين هي المرجعية الصالحة لمعالجة أزمة النازحين في شقّ العودة، أما وزارة الشؤون الاجتماعية فهي معنية بمتابعة الجانب الاجتماعي والانساني للنازحين. وبالتالي لا تضارب في الصلاحيات بين الادارتين».
بدوره، يقول وزير الشؤون الاجتماعية لـ«الجمهورية»، إن «الاشتباك مستبعد وليس في الضرورة حصوله». ويشير إلى أنّ وزارته «تقوم بدور صلة الوصل بين الهيئات والمنظمات المانحة وبين النازحين والمجتمعات المضيفة، منذ العام 2011»، لافتاً إلى أنّ «في كل الحالات فإنّ الحكومة هي المسؤولة عن وضع خطة عمل تُوزّع على أساسها المهمات على الوزارات المعنية «وكلنا منمشي».
ولم ينف واقع التشابك بين الصلاحيات المتوارث من الحكومات المتعاقبة، حتى أنّ لوزارة التربية دوراً من خلال تعليم أكثر من 260 ألف تلميذ سوري. مشيراً إلى أنه سبق وطلب إعادة تسمية لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، قادرة على تسيير عمل كل الوزارات المعنية.
أما في شأن إشارة وزير شؤون النازحين إلى سعيه لكي يكون ملف العودة من اختصاصه، فيقول قيوميجان: «جميعنا نسعى لاتمام العودة. واذا كان الوزير غريب قادراً على إعادة النازحين، فليتفضل».