تتواتر فضائح الفساد والاستبداد وتفوح روائحها لتزكم الأنوف، وتقشعرُ لها الابدان، وزير الخارجية يدخل صالون الشرف في مطار هيثرو في لندن ساعةً من زمن، ليُبدّد أكثر من عشرة آلاف دولار، دون أن يرفّ له جفن أو يؤنبهُ ضمير.
سفيرة سابقة في لندن ضاقت ذرعاً بالإقامة في مقرّ السفارة، فاستاجرت فيلاّ بثروة تقدر بأكثر من سبعمائة ألف دولار أمريكي سنوياً منذ أكثر من عشر سنوات، ورغم إحالة "سعادتها" للتقاعد منذ أكثر من خمسة أو ستة أعوام ما زالت الفيلا مُستاجرة، أبنية تُستأجر داخل البلاد وخارجها بأرقامٍ خيالية تفوح من خلالها روائح السمسرات، وأراضي الدولة سايبة، بدل البناء عليها واستغلالها، رئيس الجامعة اللبنانية تُرصد له بدل أتعاب سفر لأكثر من جهة في نفس اليوم والشهر والسنة، ويُوافق مجلس الوزراء على"العميانة"، ذلك أنّه لا أحد يقرأ أو يُدقّق، وفود رسمية أو شبه رسمية في حركة دائمة لا تهدأ، ونفقاتها فوق التّصورات، سيارات رسمية بالآلاف، مُجهّزة عناصرها ومحروقاتها موضوعة بتصرف كبار المسؤولين والموظفين والضباط والقضاة (وزوجاتهم وأبنائهم طبعاً).
اقرا ايضا : سماحة السيد..ما لك من ملاذ سوى حضن الدولة
جمعيات خيرية وهمية تدّعي الخدمة العامة ولا تتوخّى الربح، تعود ميزانياتها لصالح النافذين والمسؤولين الذين أسندوا أمر هذه الجمعيات لزوجاتهم، وربما لخليلاتهم، نوابٌ سابقون غادروا الندوة البرلمانية لأسبابٍ عدّة، باتوا في عداد المتقاعدين الذين يتقاضون معاشاً تقاعدياً ( شأنهم شأن سائر الموظفين المدنيين والعسكريين الذين افنوا عمرهم في وظائفهم)، ومعظمهم من أصحاب الأملاك والشركات والمؤسسات الإستثمارية، ومكاتب المحاماة والإستشارات، وجُلّهم من أصحاب الملايين، ومع ذلك على المُكلّف اللبناني "المعتر" أن يدفع لهم من جيبه الخاوي ملايين الدولارات، وكل هذا غيضٌ من فيض، ذلك أنّ المخفي أعظم.
رحم الله السلف الصالحين، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه(الخليفة الثاني) إذا بعث عاملاً (أي موظفاً رفيعاً ذا شأنٍ ونفوذ) يشترط عليه أربعاً:ألاّ يركب البراذين (السيارات الفارهة)، ولا يلبس الرّقيق، ولا يأكل النّقى، ولا يتّخذ بواباً، ومرّ ببناءٍ بُني بحجارةٍ وجصّ فقال: لمن هذا؟ فذكروا عاملاً له على البحرين فقال: أبت الدراهم إلاّ أن تُخرج أعناقها، وشاطره ماله ( أي استردّ منه نصف ما يملك، مع العزل طبعاً)، وكان يقول: لي على كلّ خائن أمينان: الماء والطّين. وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه( الخليفة الرابع) في كتابٍ وجّههُ إلى ابن عمّه عبدالله إبن عباس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: إنّي أشركتُك في أمانتي ولم يكن رجلٌ من أهلي أوثق منك في نفسي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلِب، والعدو قد حرِب قلبت لابن عمك ظهر المِجنّ، واختطفت ما قدرت عليه من أموال الأمة اختطاف الذئب الازلّ دامية المعزى.
أمّا الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز فكان يُخاطب عُمّآل السوء بقوله: قاتلكم الله، أما تمشون بين القبور.
أمّا المواطن اللبناني الصابر فبات يصرخ في وجه الحكام، أنتم كما قال الله تعالى: (سمّاعون للكذب أكّالون للسُّحت).