لم تأت زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بالمن والسلوى إلى لبنان، بقدر ما كانت تحذيراً صريحاً للشعب اللبناني، وتخييره بين أن يبقى هو وبلده، أسيراً لدولة إيران ولذراعها العسكرية حزب الله، كما ادعى رئيس الدبلوماسية الأميركية بعد جولته على الرؤساء الثلاثة، أو يحسم خيارته الوطنية، ويحظى بعدها بالرعاية الأميركية ومساعدته للتخلص من كل أعبائه ومشاكله الاقتصادية والمالية والاجتماعية جرّاء هيمنة حزب الله على الدولة.
بطبيعة الحال، لم يقبل المسؤولون اللبنانيون بهذا التوصيف للوضع اللبناني، كما تراه الإدارة الاميركية وأن تفاوتت الردود عليه بين مسؤول وآخر للتدليل على انعدام الرؤية المشتركة بين هؤلاء المسؤولين الذين التزموا الصمت باستثناء وزير الخارجية جبران باسيل الذي عبّر عن رفضه للتوصيف الأميركي، من خلال تأكيده على ان حزب الله من النسيج اللبناني وهو شريك في السلطة.
بطبيعة الحال، لم يرض ردّ الوزير باسيل الدبلوماسي الأميركي، وقد لا يرضي فريق من اللبنانيين يشارك هواجس الولايات المتحدة الأميركية حيال النفوذ الإيراني في لبنان وما صرّح به في وقت سابق رئيس الحرس الثوري سليماني من أن لبنان أصبح الدولة الرابعة في المنطقة العربية بعد سوريا والعراق واليمن الواقعة تحت سيطرة ونفوذ إيران.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي أراده الوزير الاميركي من زيارته إلى لبنان؟ وهل ان ما أراده هو توصيل رسالة إلى الشعب اللبناني قبل المسؤولين بأن حكومة الولايات المتحدة تصنف لبنان دولة إرهابية لا يُمكن التعامل معها الا على هذا الأساس بعدما أصبحت خاضعة للنفوذ الإيراني من خلال حزب الله الذي يقبض على السلطة ويهيمن على سياسة لبنان الخارجية، أم أن هدف الزيارة هو حض الشعب اللبناني لرفض سياسة الأمر الواقع واستعادة السيطرة على الدولة وقرارها؟
في الحالتين، فإن الرسالة التي أبلغها الدبلوماسي الأميركي إلى الشعب اللبناني وإلى كافة المسؤولين في السلطة وخارجها، حملت أكثر من تحذير، وعلى المسؤولين كافة ان يتعاملوا مع نتائجه المتوقعة بكل واقعية وان يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي: هل ان لبنان قادر على الوقوف في وجه الولايات المتحدة الأميركية؟ بل هل هو قادر على تحديها؟ ومن باب أولى ان يوجه هذا السؤال إلى حزب الله وعدم الاكتفاء بإطلاق التبريرات غير المقنعة للادارة الأميركية او الاكتفاء بـ«تطييب خاطر» الولايات المتحدة الأميركية من خلال تأكيده على الالتزام بسياسة النأي بالنفس التي توجت بها الحكومة الحالية بيانها الوزاري. وفي كلتي الحالتين، فإن الوضع اللبناني لا يسمح بأحد الأمرين، لأنه ليس في وضع يمكنه ان يتحدى أعظم دولة في العالم، وفي المقابل ليس أيضاً في وضع يمكنه ان يطبق فعلاً لا قولاً سياسة النأي بالنفس في الوقت الذي يتباهى فيه حزب الله بانتمائه إلى جبهة الممانعة التي تقودها إيران، الأمر الذي يخشى معه ان تتحوّل تحذيرات بومبيو إلى خطوات عملية على الرغم من بعض الإيجابيات التي حرص الدبلوماسي الأميركي على اطلاقها كمثل حرص الولايات المتحدة الأميركية على مساعدة لبنان ومساعدة جيشه على وجه الخصوص.