اما وقد انتهت جولة بومبيو في المنطقة بما انتهت اليه من نتائج مباشرة وأخرى ستتّضح لاحقاً، فإنّ مواقفه لاقت ردود الفعل الإقليمية والدولية قبل اللبنانية، فرضتها طبيعة هذه الجولة على اكثر من مستوى بما فيها تلك التي تعني لبنان مباشرة او تلك التي سيتحسّسها اللبنانيون لاحقاً عندما ستبدأ مرحلة تنفيذ ما تمّ التفاهم عليه في المديَين القريب والمتوسط.
فزيارة بومبيو للكويت لن تنعكس بمعظم وقائعها ونتائجها سوى على الوضع في الكويت ومحيطها الأقرب امتداداً الى حدودها البحرية مع ايران ونتيجة الإتفاقيات التي عقدت في مجال العلاقات بين البلدين.
كان ذلك قبل ان يصل بومبيو الى تل ابيب حيث ارتفعت حماوة المواقف والقضايا التي اثيرت ولعل أخطرها ما يتصل بالثروة النفطية في منطقة شرق البحر المتوسط ومصير الجولان المحتل، في ضوء الطرح الإسرائيلي باستجداء الإعتراف الأميركي بشرعية احتلال المنطقة وضمها الى السيادة الإسرائيلية. وهو ما لم يستسغه المجتمع الدولي بدليل صدور سلسلة بيانات تدين طلب اسرائيل والإستعداد الأميركي لتلبيته.
ويرى البعض انّ على اللبنانين أن يقرأوا في نتائج زيارة بومبيو للبنان وما يطاوله من جولته في المنطقة. فالملفات المطروحة تنعكس كلها على لبنان الذي لم يغب عن مواقفه طوال فترة الزيارة وهو ما شكل امتداداً لسلسلة الرسائل التي نوى توجيهها الى اللبنانين وقادة المنطقة، والتي كان اطلق رزمة منها قبيل توجّهه الى المنطقة وعندما كان في طريقه اليها، ولا سيما منها تلك التي تعني الحضور الإيراني في لبنان ودور «حزب الله» على اكثر من مستوى داخلي واقليمي وسياسي ومالي، عدا عن ملف النفط وإن بدا واقعاً انّ الأمر مؤجّل بالنسبة الى لبنان قبل ان يستكشف حجم ثروته النفطية والتثبّت من حجمها التجاري الدولي.
وبمعزل عن مواقف القيادات اللبنانية التي لم تُظِهر سراً وعلناً التوافق التام سوى على حدود لبنان البرّية مع فلسطين المحتلة وحدود المنطقة الإقتصادية الخالصة، فإنّ مثل هذه الإجماع افتقد كثيراً ممّا هو مطروح، وتحديداً ما يعني الدور الإيراني فيه وحضور «حزب الله» في مختلف وجوه الحياة اللبنانية السياسية والأمنية والإقتصادية.
وكل ذلك من منطلق النظرة الى العقوبات التي فرضت عليه منذ سنوات عدة ووسط الإستعدادات الجارية لفرض مزيد منها بعد قراءة نتائج ما فعلته تلك التي تمت تجربتها حتى الآن، والتي أثبتت فعاليتها على الساحتين الإيرانية الداخلية بفعل الضائقة الإقتصادية هناك. وحيثما إنتشر اصدقاء إيران وحلفاؤها في لبنان وسوريا واليمن وغيرها من مناطق النزاع خارج الحدود الجغرافية للدولة الفارسية.
وعليه، فإنّ لبنان لن يصحو غداً على واقع جديد كما يتوقع البعض، لكن على اللبنانيين من الآن وصاعداً ان يستشعروا أكثر من قبل حجم الحساسية في الموقف الأميركي تجاه العقوبات المفروضة على ايران وحلفائها والخطوط الحمر التي رُسمت في شأن الأزمة السورية وبرامج اعادة الإعمار التي تُحظِّرها حتى الآن.
كذلك بالنسبة الى ملف «مستقل» يُسمّى الخطوط البرّية المنوي فتحُها بين طهران وبيروت مروراً ببغداد ودمشق خارج الأطر الدولية للعلاقات بين الدول واعتبارها خطوطاً مقفلة الى أمد طويل.
فليس من السهل أن يتجاهل اللبنانيون ما يمكن ان يؤدي اليه ايّ خرق للعقوبات والعوائق المالية الداخلية والخارجية منها والمتصلة بتحجيم مصادر تمويل «حزب الله» وتجفيفها عملياً، ومعه بالنسبة الى بقية المنظمات الأخرى «الصديقة» التي تنعم بالإقامة قي مناطق محددة من لبنان بشخصياتها ورموزها الدينية والسياسية والميليشيوية والعسكرية والمالية، وخصوصاً انها في نظر الأميركين هي التي توفر للحزب دعماً غير منظور من داخل البلاد وخارجها ومن ضمن الحدود الجغرافية للمنطقة وخارجها وصولاً الى اقاصي العالم، وهو ما ركز عليه بومبيو في اكثر من لقاء عندما تحدث عن محاولات الإلتفاف على برامج العقوبات المالية والمصرفية، مؤكداً «انّ العيون الأميركية مفتّحة على كل زاوية ومنفذ من زوايا الأرض ومنافذها» وذلك في إشارة واضحة الى ميادين العمل الخارجية للحزب في اميركا اللاتينية وافريقيا وبعض الدول الأخرى.
ومن خارج برنامج الزيارات التقليدية للمسؤولين الأميركيين تبقى الإشارة لافتة الى زيارة بومبيو الإستثنائية للمرة الأولى لوزارة الداخلية ليستغلّها مناسبة لتأكيد الإهتمام الأميركي بالملفات الخاصة بالأمن الإستباقي، من خلال وصاية الوزارة على المديرية العامة للأمن العام وقوى الأمن الداخلي وليؤكد استمرار التعاون الإستخباري مع هذه الأجهزة واستمرار الدعم المتوافر لبرامجها الخاصة بالأمن ومواجهة شبكات تهريب وتبيض الأموال والممنوعات والإتجار بالبشر ومكافحة الإرهاب المعولم، وهو ما أضاء على جزء من الرهان الأميركي على الأمن والإستقرار في لبنان ومن دوره في المواجهة الدولية التي تخوضها الولايات المتحدة الاميركية مع شركائها الأوروبين وفي العالم وعلى كل هذه المستويات.
وعليه لا يمكن للبنانين تجاهل ما ستؤول اليه زيارة بومبيو فهي محطة مفصلية في المواجهة المفتوحة بين واشنطن وطهران، وما بينهما مختلف مساحات الخلاف والمواجهات العسكرية والديبلوماسية في عدد من الدول، ولن تنفع بعد اليوم سياسة «المواربة» و«السعدنة» التي يترقبها الأميركيون.
فعيون العالم ترصد لبنان، وما يمكن أيّ دولة القيام به مع دولة أُخرى لا يشبه ما هو قائم بين بيروت وواشنطن التي ستراقب الحراك اللبناني بدقة، فدفتر الحساب فتح على صفحة جديدة مختلفة عن سابقاتها وما على اللبنانيين سوى مداراتها، إذ لايمكن من الآن تقدير ثمن أيّ دعسة ناقصة.