أثار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجدل بإعلانه القدس "عاصمة" لإسرائيل، انتقل إلى هضبة الجولان، مُطالبًا بالإعتراف بـ"السيادة الإسرائيلية" عليها، ولقي طلب ترامب هذا ردود فعل من جانب تركيا التي اتهمت ترامب بأنّه يدعم سياسة الاحتلال، إلى إيران التي اعتبرت أنّ تصريحاته قد تؤدي لسلسة مواجهات جديدة في الشرق الأوسط.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية تقريرًا تحدّثت فيه عن قنوات سرية بين دمشق وإسرائيل مهّدت الطريق للمطالبة الإسرائيلية بالجولان، شارحةً تفاصيل تاريخية، وزعمت الصحيفة أنّ قبل أن يحين إعلان ترامب الأخير، انخرط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصيًا بمفاوضات متقدّمة مع السوريين عبر وسيط أميركي، حول إنسحاب إسرائيل من أراضٍ في مرتفعات الجولان في مقابل ابتعاد إيران و"حزب الله" عنها.
وادّعت الصحيفة أنّ حكومات إسرائيلية عدّة عقدت محادثات سريّة عبر وسطاء مع دمشق على مدار 20 عامًا، وركّزت على صياغة "اتفاقية سلام"، ولفتت إلى أنّ الجولة الأخيرة من المفاوضات انتهت في آذار 2011، بعدما ألقت الحرب بظلالها على سوريا، وبعد ذلك تغيّر الموقف الإسرائيلي بشكل تدريجي، وتمثّل بإنهاء "الخيار السوري" وأرادت إسرائيل الإعتراف بـ"سيادتها"، وقد انتقلت الفكرة من الدوائر الإسرائيلية اليمينية إلى مجلس الشيوخ الأميركية، كما أصبح الإعتراف بالجولان "ورقة رابحة" في الإنتخابات.
وقد كشفت "هآرتس" في الأشهر الماضية مع عددٍ من الأشخاص الذين انخرطوا في الجولة الأخيرة من المفاوضات والتي سبقتها، لتوضيح مدى جديّة المفاوضات، ووفقًا لهؤلاء فقد كانت النقاشات جادة ومتقدمة مع الرئيس السوري بشار الأسد، حتى في ظلّ حكومة نتنياهو، وتضمنت خرائط وسيناريوهات محوسبة لاحتمالية شملت الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان على أساس ما قبل العام 1967.
ويعتقد معظمهم أن الاعتراف الأميركي من جانب واحد الآن بالجولان، لن يفيد إسرائيل كثيرًا، وفقًا للصحيفة التي أضافت أنّ نتنياهو أبلغ الروس مؤخرًا أنّ إسرائيل ستعود إلى اتفاقات الانفصال. وذكرت الصحيفة أنّ في عام 1981 صدقت إسرائيل على قانون ضم مرتفعات الجولان، ولم تبدأ محادثات جادة مع سوريا إلا خلال فترة ولاية اسحق رابين رئاسة الوزراء في عام 1992، إذ زار وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر دمشق، ثمّ جاء إلى رابين و أخبره أن الرئيس الراحل حافظ الأسد كان مستعدًا للسلام "مثل السادات".
و قال البروفيسور إيتامار رابينوفيتش الذي كان يرأس الوفد الإسرائيلي لإجراء المحادثات مع سوريا خلال ولاية رابين، وكان سفيرًا سابقًا في واشنطن: "جرت المحادثات في الطابق السادس من وزارة الخارجية الأميركية من الساعة 9 صباحًا حتى الساعة 12:00 ظهراً"، وأضاف: "انتظر الصحافيون عندما دخلنا وعندما خرجنا، وكانت آلات التسجيل على الطاولة، وكان من الواضح أن هذه ليست الطريقة لإجراء المفاوضات. ثمّ حققنا تقدّمًا من أيلول 1992 إلى آب 1993، ثمّ كنا نلتقي كل شهر تقريبًا".
وفقًا لرابينوفيتش، لم يعجب رابين بفكرة الإبتعاد عن الجولان ولكنه كان يفضّل المسار السوري على المسار الفلسطيني، كما أنّه كان يعتقد أنّ الأسد الأب أكثر جدية من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
ووفق الصحيفة، فقد كان اقتراح رابين يتمثّل بالإنسحاب الكامل من مرتفعات الجولان إلى خطوط ما قبل عام 1967 في غضون خمس سنوات، في مقابل التطبيع الكامل وإجراء الترتيبات الأمنية، وقد قدّم رابين هذا الاقتراح إلى وزير الخارجية الأميركي آنذاك وارن كريستوفر، وطلب من كريستوفر أن يبقي الاقتراح في جيبه كورقة للعب في المحادثات فقط، إذا قدّم الجانب الآخر التزامًا. كما جرت مفاوضات عندما كان شيمون بيريز رئيسًا للوزراء لكنها لم تكن مثمرة.
ورأت الصحيفة أنّه عندما بدأ نتنياهو ولايته الأولى كرئيس للوزرا ء، سعى الأميركيون إلى توضيح أنّ ما اتُفق عليه مع رابين لم يعد مُلزمًا، وفي عام 1998، بدأ نتنياهو جولة جديدة من المحادثات السرية عن طريق شريكه المقرب، رجل الأعمال الأميركي رون لاودر. ووفقًا لمصادر مطلعة على المناقشات فقد دارت حول استعداد إسرائيل للموافقة على انسحاب على أساس ما قبل عام 1967.
وبعد مفاوضات مع الأسد الأب في دمشق، قال الأخير للاودر "إمّا أن تعود مع خارطة أو لا تعود أبدًا"، وتقول مصادر مطلعة إنّ مطلب إسرائيلي كان الحفاظ على وجود لها في جبل الشيخ، وعندها قال السوريون للاودر إن هذا "خط تجسس".
وتابعت الصحيفة استعراض تفاصيل وتواريخ مفصّلة للمفاوضات غير المباشرة دائمًا، والتي جرت مع وسيط أميركي، حتى حان وقت جولة المفاوضات الأخيرة.
وبحسب الصحيفة، فقد بدأت الجولة الأخيرة من المحادثات بوساطة أميركية بين نتنياهو والرئيس السوري بشار الأسد في أيلول 2010. ومن بين أعضاء الحكومة، كان وزير الدفاع فقط إيهود باراك في السر، وتمّ إجراء المحادثات عن طريق المبعوثين الأميركيين فريد هوف ودينيس روس.
وأضافت المصادر أنّ نتنياهو كان مستعدًا لمناقشة الطلب السوري بانسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط ما قبل عام 1967، لكنه هذه المرة اشترط فك ارتباط سوريا بالكامل عن إيران وحزب الله عبر إجراء ترتيبات أمنية جديدة.
وعملت الفرق المفاوضة على صياغة بيان يتضمّن المبادئ وتم استبدال المسودات الأميركية، لكنّ المفاوضات انتهت بالكامل في آذار 2011 عندما بدأت شرارة الحرب السوريّة، وتقدّر مصادر "هآرتس" أنه لولا اندلاع الحرب، فإن الأمر كان سيستغرق نصف عام فقط حتى يتوصل الجانبان إلى اتفاق.
(ترجمة- لبنان 24)