هذا تماماً ما يحاول المبعوثون الأميركيون الى الشرق الاوسط بلوغه منذ مجيء وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون العام الفائت، مروراً بزيارة ديفيد ساترفيلد مطلع السنة، وصولاً الى زيارة وزير الخارجية الاميركية اليوم مايك بومبيو، مع الزيارات الاستقصائية الخاطفة لمسؤولين اميركيين من الصف الأول أو الثاني الى لبنان.
فماذا يحمل بومبيو الى الشرق الاوسط، وماذا يخبىء في جعبته للبنان؟
تقول اوساط مطلعة، إنّ رئيس الديبلوماسية الاميركية يتأبط « CONTRACT» جديداً، أي عقداً جديداً للبنان يلعب من خلاله على خط النفوذ بين المصالح الأميركية والروسية. فبين أن يدخل الروس شريكاً في التنقيب عن الغاز، الذي فاز كونسورتيوم «آني - توتال - نوفوتيك»، وأن يتسلّموا من جهة ثانية عملية التخزين شمالاً من خلال فوز ROSNEFT من المؤكّد انه أمر لم يستسغه الاميركيون.
وتلفت الاوساط نفسها، الى انّ إقدام الاميركيين على إنشاء سفارة في لبنان، كلفتها فاقت المليار ونصف المليار دولار وتعتبر ثاني أكبر سفارة أميركية في المنطقة بعد إسرائيل، زد عليها الاستثمار الاميركي مع الجيش اللبناني، من مصلحة لبنان كدولة ان يلاقي تقاطعاً للتعامل مع الولايات المتحدة لأنه، شاء أم أبى لا يمكنه القول إنّه ليس بحاجة بعد اليوم الى هذا الاستثمار لأنّه قرّر تغيير سياسته النقدية تجاه الولايات المتحدة. وتضيف الأوساط المواكبة لزيارة بومبيو، انّ على لبنان إيجاد تقاطع جدّي مع الحاجة الاميركية خارج العنتريات المعهودة.
وعن الـ new deal الجديد مع لبنان الذي يتأبطه بومبيو، أوضحت المصادر انه يتضمن مجموعة ملفات أبرزها الملف الاقتصادي.
وقالت في هذا الصدد، «إنّ التوازن بين الولايات المتحدة ولبنان ليس متوافراً اليوم من وجهة نظر الاميركيين».
كذلك يتضمن هذا «الديل» ملفات «حزب الله» واسرائيل وروسيا والاقتصاد وملف النازحين. وقالت الاوساط نفسها، انّ بومبيو «قادم ليؤكّد أنّ اللبنانيين لا يمكنهم الاستمرار في القول إنّ قضية «حزب الله» اقليمية وليست لبنانية. كذلك لا يمكنهم مفاوضة الروس وتسليمهم زمام الامور النفطية والاقتصادية وفي المقابل استدعاء الاميركيين لطلب النجدة والتسلح والحماية».
واضافت الأوساط، «أن بومبيو يتأبط الـ «NEW DEAL» الذي سيطرحه على لبنان، والهدف منه تغيير قواعد اللعبة بالقول «من غير المسموح بعد الآن أن يأخذ المنطق المناهض لسياستنا كل شيء، في وقت يريد لبنان من اميركا كل شيء. فهذه المعاملة لم تعد قابلة للتجديد»، لأنّ العلاقة الثنائية بين بلاده ولبنان لم تعد تراها واشنطن مناسبة حتى في حدّها الادنى.
أمّا عن المخارج فتقول الاوساط نفسها، «انّ من الممكن إيجاد مخرج لهذا الموضوع اذا استطاع لبنان كعادته تدويرالزوايا فيتمكن من صوغ CONTRACT جديد يدوّر فيه الزوايا مثلما يفعل بعض الساسة الوسطيين الميّالين الى المعارضة في آدائهم السياسي الحالي».
وفي هذا السياق، يُتوقع أن يترجم رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوض هذا الأداء اليوم. إذ انّ قبول بومبيو الدعوة الوحيدة الى العشاء الذي يقيمه معوض مساء في دارته في الحازمية، له دلالات عدة، في وقت يعلم الجميع أنّ التموضع السياسي الحالي لمعوّض لا يمكن اعتباره معارضة تامة في الشكل الذي تطالب به واشنطن الدولة اللبنانية حالياً، خصوصاً انه ينتمي الى كتلة «التيار الوطني الحر» الحليف لـ»حزب الله».
فيما يتساءل البعض عن الرسالة التي اراد بومبيو إيصالها الى لبنان. فليس هناك مصادفات مع الاميركيين، حسبما تقول المصادر، أو حتى علاقات شخصية تخولهم تلبية الدعوات الشخصية بحرّية وتحديداً في لبنان.
وعملياً، هناك رسالتان من الممكن استنتاجهما من زيارة بومبيو لدارة معوض الذي يولم فيها مساء اليوم لـ 50 شخصاً على شرف الضيف الاميركي. فبالاضافة الى الرسالة السياسية، هناك أخرى شخصية بمثابة رسالة دعم سياسية تدفع بمعوض الى البورصة الرئاسية بعد زيارتين متتاليتين لساترفيلد في الامس وبومبيو اليوم لدارته في خلال اقل من شهرين، علماً انّ رئيس «حركة الاستقلال» استطاع «الدوزنة» ما بين معارضته الاستراتيجية الداخلية لسلاح «حزب الله» وبين تموضعه مع «التيار الوطني الحر».
وفي وقت توقّع البعض غياب ممثل عن كتلة «التنمية والتحرير» عن العشاء مع بومبيو، أكّدت مصادر معوض أنّ النائب ياسين جابر سيمثل الكتلة في العشاء الى جانب ممثلين لمعظم الكتل باستثناء كتلة «الوفاء للمقاومة».
مع العلم انّ كتلة «الجمهورية القوية» ستتمثل بثلاثة من وزرائها، فيما سيحضر العشاء أيضاً وزراء الطاقة والدفاع والعدل والداخلية والاقتصاد والبيئة ونواب وفاعليات اقتصادية ورؤساء مجالس.
وعن لائحة المدعوين يقول قريبون من معوض، أنها «لائحة جامعة وليست اصطفافاً داخلياً، بحيث انها تضمّ شخصيات مجتمعية تمثل أوسع شرائح ممكنة لتسهيل بناء تقاطع مصالح ورؤية لبنانية ـ اميركية مشتركة تدفع الاميركيين الى الابقاء على استثماراتهم داخل لبنان بموجب»العقد الجديد».
واضافت المصادر، أنّ الدعوات الى عشاء اليوم تختلف عن سابقاتها على المستوى الاقتصادي، إذ حرص المعنيّون على أن تشمل الهيئات الاقتصادية بتنوعها وبقطاعاتها الصناعية والمصرفية والقطاعية والزراعية لابداء وجهات نظرهم في الموضوع الأبرز على الساحة اللبنانية». وكشفت «أن التركيز كان على دعوة الوزراء الذين يمسكون تقنياً بملفات ساخنة ويوجد تقاطع فيها مع الأميركيين مثل وزراء الدفاع والطاقة والداخلية والشؤون الاجتماعية والعمل، الذين تتعلق بهم مسألة النزوح السوري، آخذين في الاعتبار الحديث في الملفات التي من شأنها ان تحوّل النقاش تقنياً انطلاقاً من النقاط التي ذُكرت: حدود، نفط، أمن، نزوح واقتصاد.
تجدر الاشارة، الى أنّ علاقة آل معوّض مع الولايات المتحدة الأميركية، وتحديداً مع المؤسسات الاميركية، قائمة منذ زمن طويل، بالاضافة الى علاقة شخصية تربط معوض ببومبيو الذي كان صديقاً شخصيّاً عندما كان عضواً في الكونغرس الاميركي وقبل ان يصبح وزيراً للخارجية.