تختار حركات الإسلام السياسي أسماء مثيرة لأحزابها لتوحي بانتمائها إلى العصر الحديث. وحركة النهضة في تونس ليست استثناء في ذلك المجال. ولكن مفهوم “النهضة” بالنسبة لنهضويي تونس يشبه مفهوم “الصحوة” بالنسبة لإخوانيي مصر. كلا المفهومين لا يشيران إلى المعاني التي تحيط بهما وتقدمهما بلغة الحداثة.
فالصحوة الإخوانية التي عرفها المصريون هي عبارة عن عودة إلى زمن ما قبل الدولة الحديثة، أما النهضة فقد صار التونسيون على بيّنة من معناها. وفي الحالين فإننا لن نغادر الواقع إذا ما قلنا إن العداء الموجه إلى المرأة يقع في صلب المفهومين. فلا صحوة ولا نهضة من غير تحجيب المرأة ومصادرة حريتها وتقييد وجودها واستعمالها واجهة في الانتخابات.
بالنسبة لتونس فإن واحدا من أعظم إنجازاتها في العصر الحديث يكمن في ما حصلت عليه المرأة من حقوق مدنية. ولقد كشفت حركة النهضة أثناء سنوات حكمها أنها تسعى إلى مصادرة تلك الحقوق.
راشد الغنوشي وهو زعيم حركة النهضة لم يقل شيئا في ما يتعلق بـ”جهاد النكاح” وكانت التونسيات، كما أشيع، مادته. لم يقف الرجل ضد استعمال النساء في الحروب. الغنوشي نفسه كان مؤيدا لاستقبال الإرهابيين العائدين من سوريا باعتبارهم مواطنين تونسيين صالحين. نهضة الغنوشي تقوم على التصدير والاستيراد. تصدير العنف واستيراده. وبذلك تكتمل الدورة النهضوية التي تستند إلى تعاليم المرشد الإخواني المصري الذي يقيم في السجن الآن.
ولأن الغنوشي يعرف أن أفكاره “النهضوية” صارت مكشوفة الأهداف في المدن التونسية الكبرى، فإنه صار يلجأ إلى المدن والبلدات الجانبية والمهشمة من أجل أن يستثمر رصيده في المظلومية. وهي مظلومية يتحمل النظام السياسي الوطني في مختلف مراحله المسؤولية عنها. وهو ما حدث تماما في مصر في وقت سابق. لقد كانت القرى والأرياف هي رصيد الإخوان المسلمين.
يستثمر الغنوشي في الفقر ويغوي الفقراء بمفاهيمه النهضوية التي يهجو من خلالها المدن الفاجرة. يمارس دعوته تحريضا على فتنة جهوية، وهو يعرف أن تونس يمكن أن تحترق بسببها. فالرجل الماكر يعرف أن ما يقوله حق يُراد به باطل. عانت جهات كثيرة في تونس من الإهمال. ولكي نكون منصفين فما من أحد من المعارضين التونسيين زعم أن ذلك الإهمال كان مقصودا، أو موجها ضد جهة دون سواها. كان ذلك الإهمال جزءا من بنية الدولة قبل وبعد الثورة.
يحرض زعيم النهضة المهمشين على المدن التي همشتهم، متناسيا أن حزبه لم يفعل شيئا من أجل إزالة ذلك التهميش أو التقليل منه أثناء حكمه منفردا، بل فعل عكس ذلك تماما حين زاد من ذلك التهميش عبر ظاهرة الغزوات التي وسعت الفجوة بين المدن الرئيسية والمدن الثانوية.
لن يكون الغنوشي منصفا وهو الذي لم يعترف بأي خطأ ارتكبته حركته حين أرادت أن تزج بتونس طرفا في حروب أهلية، كان الأولى بتونس أن تدعو إلى إنهائها أو على الأقل تنأى بنفسها بعيدا عنها. الغنوشي الذي لم يعتذر عن توريط تونس في حروب تقع خارج حدودها، يمكنه أن يكون داعية حرب أهلية في تونس إذا ما تطلب الأمر ذلك. يمكن لطمعه في السلطة أن يقوده إلى ركوب المركب الصعب. فلو خسرت النهضة الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، فذلك يعني أنها ستغادر الحلبة السياسية إلى ما لا نهاية وهو ما يفزع الغنوشي.
لذلك يمكن توقع أن يكون الرجل قد جرب في جولاته النهضوية أساليبه النهضوية في شق صفوف الشعب التونسي وتمزيق نسيجه الاجتماعي من خلال تحريض بعضه على البعض الآخر كسبا للأصوات.
الغنوشي يصرّف بضاعته النهضوية جهويا بعد أن افتضح معنى نهضته في المدن الكبرى. وهو ما يجب أن يضعه التونسيون في اعتبارهم.