زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الأولى لبيروت، ولكنها الخامسة للمنطقة والثانية منذ صدور القرار الأميركي بالإنسحاب من سوريا في 19 كانون الأول الماضي، حيث قصدها أولاً لطمأنة حلفاء بلاده الى أنّ الإنسحاب مشروط ومؤجّل، وليؤكّد ثانياً دور بلاده بإبعاد إيران وحلفائها عن المنطقة قبل الانسحاب.
 

بعد ساعات قليلة سيحطّ بومبيو في بيروت، مختتماً جولته الثلاثية في المنطقة والتي شملت الكويت وتل ابيب، في مهمة وُصفت بـ«العاجلة والإستثنائية» وسط عدد من الإستحقاقات التي شهدتها المنطقة او تلك التي تستعد لها.

وعلى وقع هذه الزيارة ارتفع منسوب الغليان في المنطقة على مختلف المستويات الديبلوماسية والعسكرية والأمنية، والتي شكّلت الأراضي السورية مسرحاً واسعاً لها، وهي أحداث استقطبت قادة المحور المعادي لواشنطن اليها، لإستباق هذه الزيارة ومواكبتها والسعي الى تعطيلها، إن نجحت المحاولات المتعددة التي شهدتها طهران وموسكو ودمشق، من أجل التحضير لها، وكذلك إن نجحت موسكو في تحييد تل ابيب عن أي دور يغيّر التوازن القائم اليوم، على رغم من أنّها مهمة صعبة. فالحضور الإيراني وادواته في المنطقة يشكّلان الهدف الأساسي للحراك الأميركي والإسرائيلي معاً، وإبعاد تل ابيب عن المواجهة مهمة روسية صعبة.

ولذلك، لا يمكن أي مراقب ديبلوماسي، إذا تعمّق في تحديد الظروف التي قادت بومبيو مجدداً الى المنطقة في اقل من شهر، إلّا أن يقرأ الصورة بوجهيها الديبلوماسي والعسكري، عدا عن الإستراتيجي في الحالتين، وما يمكن ان تعكسه التطورات في المنطقة، وما يمكن أيضاً ان تغيّره هذه الزيارة.

فالوجه الأول من الصورة ظهر جلياً بتداعيات القمة السورية ـ الإيرانية التي عُقدت في طهران على الداخل والخارج الإيراني، وتلتها القمة الإيرانية ـ العراقية في بغداد، قبل ان تنعقد القمة العسكرية في دمشق قبل يومين على مستوى رؤساء أركان الجيوش الثلاثة الإيرانية ـ السورية - العراقية في غياب نظيرهم الروسي، الذي استُعيض عنه في اليوم التالي بزيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لها موفداً شخصياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى نظيره السوري، فيما بقيت تركيا وحدها خارج هذا المشهد.

اما الوجه الثاني من الصورة، فقد تجلّى بالخطوات الإسرائيلية الأحادية الداعمة للحراك الأميركي، والتي ارتبطت بالحراك على الساحة السورية مباشرة.

وإلّا، ما معنى الحديث في تل ابيب عن اطلاق الإجراءات الخاصة بالإعتراف بالجولان «أرضاً اسرائيلية الى الأبد» على وقع الحديث عن اكتشافها للخلايا الإيرانية التي نظمها «حزب الله» في الجولان، لتكون امتداداً طبيعياً لبقاء مثيلات لها في المنطقة المقابلة لها جنوب دمشق، على رغم من اعتبارها منطقة آمنة بالنسبة الى إسرائيل بعد إخلائها منها بعمق 85 كيلومتراً إنفاذاً لتفاهمات روسية ـ اسرائيلية سابقة لم تُترجم بعد.

وما بين هاتين الصورتين العسكرية والديبلوماسية، بقي العامل الإستراتيجي الوحيد الذي تسبّب بهما يتمحور حول الدور الإيراني في سوريا والمنطقة، في ظل الإعتراف الدولي بالوجود الروسي والتركي على الأراضي السورية. وهو العنوان الكبير الذي قاد بومبيو للمرة الثانية الى المنطقة في غضون اسابيع قليلة، بعدما مهّد لهذه الزيارة مجموعة من مساعديه اكبرهم ديفيد ساترفيلد ودايفيد هيل.

وعليه، فإن بومبيو الذي بدأ امس جولته من الكويت قبل تل ابيب، سيكون غداً في بيروت تتويجاً لهذه الجولة، حيث من المتوقع، حسب ما يعتقد معدو الزيارة، انّها ستكون المنصّة التي سيتحدث فيها عن مجمل نتائج هذه الجولة وما يرغب ان يسمعه من اللبنانيين، بعد ان يقول كلمته المتشددة في الدور الإيراني في المنطقة ولبنان، وفي ما اراد من زيارته في هذه المرحلة الحرجة.

ولم يعد سراً القول، انّ بومبيو سيكون حاسماً وربما فجاً في ما يريد ان يقوله للبنانيين. ومرد هذا الشعور متغيّرات كبيرة طرأت أخيراً في الإدارة الأميركية ستفرض مثل هذا التصرف.

ففي الداخل الأميركي تعزّز الإقتناع بضرورة تأجيل الإنسحاب الأميركي من سوريا والتشدّد في التعاطي مع ايران وحلفائها في انتظار إخلائها المنطقة ولبنان. إلا انّه يرغب في ان يسمع من المسؤولين اللبنانيين تجديد التعهد مجدداً باستكمال تنفيذ ما بدأوا به من خطوات التزاماً بالعقوبات على ايران والمنظمات الإرهابية، والتي لم يخرقها اللبنانيون سوى في مجالات اقتصادية محدودة عبر الحدود اللبنانية - السورية، بالنسبة الى دخول الحديد الإيراني الى لبنان. كذلك من بوابات مصرفية ضيّقة جداً كما حصل بين بغداد وبيروت عبر احد المصارف اللبنانية قبل اسابيع قليلة، وبالتأكيد من غير قصد.

وباعتراف ديبلوماسيين قريبين من بومبيو، فانّ اقصى ما يرغب ان يسمعه من المسؤولين اللبنانيين تجديد التعهدات السابقة بموقف رسمي وعملي يؤكّد التزامهم «النأي بالنفس» ضماناً لاستمرار كل اشكال الدعم للجيش والمؤسسات الأمنية وللإستقرار بكل مقوماته الإقتصادية في لبنان.

ومن هنا على الجميع أن يفهم عدم رهان بومبيو على سماع كلمات لبنانية متناسقة من هذا النوع، على وقع الإستعدادات الجارية في الكونغرس لدفعة جديدة من العقوبات على «حزب الله» يُعِدها نواب من الحزبين الجمهوري الحاكم والديمقراطي المعارض.

وأخيراً، لا بدّ من التوقف عند آخر تصريحات بومبيو قبيل بدء جولته. فقد كان واضحاً منها انه يعرف ما ينتظره في بيروت ويترقبه سلفاً، وذلك عندما عبّر عن رغبته في أن «يغيّر» كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل «مسارهما».. ولكن كيف سيكون اللقاء مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري!؟