إنَّ أمرنا صعبٌ مستصعب، ولا يعي حديثنا إلاَّ صدور أمينة وأحلام رزينة، هكذا قالها أمير المؤمنين علي (ع)، من يستطيع أن يتوسَّد الحجر والتراب، وأن يلبس الخشن، ويأكل الجشب وإذا أكل لا يشبع، ولا يملأ بطنه في يومٍ من طعامين،وإذا شبع من تمرٍ لا يشبع من خبزٍ، ما دام في الناس من لا عهد له بالشبع ولا مطمع له بالقرص، من يستطيع أن يكون إدامه الجوع، وسراجه ضوء القمر، ولا يلتفت إلى ناعم العيش، ومريح المجلس، إنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، مكتفياً من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ومن مسكنه كوخ الفقراء، وأبى أن يسكن القصر الأبيض في الكوفة، وهو خليفة المسلمين، ولعل في أطراف مملكته من لا يجد قوت يومه، هذا علي الحاكم كان يأكل من عمله وتعبه، لا من أكتاف الناس وعرقهم، باع حديقته التي لا يملك غيرها باثني عشر ألف درهم ووزعها على المحتاجين، لم يبق لأهله درهماً واحداً، هو الذي بقي مع فاطمة بنت محمد مع ولديهما الحسنيين ثلاثة أيام لا يذوقون شيئاً، حيث آثروا بطعامهم على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، هذا ليس غريباً أن يكون عليٌ (ع) هكذا، بل الغريب والغرابة أن لا يكونه!
وهو القائل: " إنَّ الله فرض على أئمة العدل أن يُقدِّروا أنفسهم بضعفة الخلق"... وهو القائل: " أيها الناس، إنما أنا رجلٌ منكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم، والحق لا يبطله شيء... أيها الناس، إني والله لا أحثكم على طاعةٍ إلا أسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصيةٍ إلاَّ أتناهى قبلكم عنها".
إقرا أيضا: شيخٌ وكلبٌ وقِطَّة
كل من نصبَّ نفسه للناس إماماً ومفتياً وقاضياً وحاكماً وهو متخمٌ لا يعرف فقراً ولا فاقةً، ولا يمر الجوع والعوز من أمام بيته، ثم يظهر من على المنابر أو عبر قنوات تلفزيونية، أو فيسبوكية، ويعظ الناس ويرشدهم ويقدم نفسه واعظاً وكأنه أحد المبشرين الأوائل بالجنة، ما هو إلا لصٌ محتالٌ ومختالٌ يصطاد باسم عليِّ (ع)، فاحذروه على دينكم وعرضكم، إنه من المغتصبين الناهبين والمرائين من تجار الدين والدنيا، يتبذَّخ على جهدكم ويعيش على دمكم، كما تعيش السوسة على ماء الحياة في الشجرة المثمرة، إنه تاجر من تجار البشر والحجر، وكل ذلك من أجل أن ينظر إليه الناس والنساء فيعرض عصائبه ويعظَّم أهداب جبته وعمته وعبائته الحريرية، وأن يدعوه الناس المفتي المنفتح والشيخ المؤمن، فالويل لهؤلاء الذين يشترعون شرائع باسم عليٍّ(ع)، ليأكلوا حق الفقراء والضعفاء، لتكون النساء والأرامل مغنماً لهم، وينهبوا أموال اليتامى... السلام عليك يا أمير المؤمنين وأنت القائل:" أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم مكاره الدهر، وقد نظر إليه النبي محمد (ص) وقال له: " يا علي ! إنَّ الله قد زينك بأحب زينةٍ لديه: وهب لك حب المستضعفين فجعلك ترضى بهم أتباعاً ويرضون بك إماماً..!"