كان اللافت عشيّة وصول بومبيو الى بيروت، زيارة السفيرة الاميركية اليزابيت ريتشارد رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث عرضت معه «آخر التطورات والعلاقات الثنائية بين البلدين»، في وقت جدّدت الولايات المتحدة الاميركية حملتها على ايران وأعلنت أنها «ستتصدى بقوة» لنَشرها صواريخها الباليستية في منطقة الشرق الأوسط، متهمة إيّاها بالسعي الى «زعزعة استقرار المنطقة».
وقبَيل انطلاق بومبيو في جولته، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية انّ المتوقع أن يناقش في لبنان «الأوضاع السياسية والاقتصادية»، وأشارت الى انه سيبحث مع القادة الإسرائيليين «سبل مكافحة الأنشطة الإيرانية وتأكيد التزام واشنطن أمن إسرائيل».
زواج ماروني
وفي انتظار تبيان معالم المرحلة المقبلة في ضوء ما سيحمله بومبيو في جعبته الى لبنان، سارع المسؤولون الى لملمة صفوفهم، على رغم الانقسام الواضح وتَمترس كل طرف سياسي خلف مواقفه، وسط سعي حثيث الى تطويق ذيول الاشتباك السياسي الأخير بين التيارين «الازرق» و«البرتقالي»، والذي انتهى باتصال بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل.
وقال المراقبون انّ جلسة مجلس الوزراء غداً ستشكّل اختباراً جديداً لجهود التهدئة ومدى التضامن الحكومي بفِعل مقاربة ملفات عدة، وأبرزها خطة الكهرباء والتعيينات العسكرية. أمّا التسوية السياسية الرئاسية فقد طمأن الحريري الى مصيرها، ووصفها بأنها «زواج ماروني لمصلحة لبنان».
وقال امام وفد نقابة الصحافة: «إتخذنا قراراً، فخامة الرئيس وأنا، يتعلق بمصلحة البلد. وعلى رغم من كل المناكفات السياسية، فإنّ التواصل مستمر. في السابق كانت تحصل قطيعة وتَمترس من هنا وهناك، أمّا اليوم فالكلام السياسي لا يمنع أن تواصل الحكومة عملها، وجميع الوزراء يعملون، ولا شيء يوقف مسيرة الإصلاحات والإنجازات».
وطمأن الى أنه «لن يحصل خلاف من شأنه أن يوقف العمل، لا مع «التيار الوطني الحر» ولا مع حركة «أمل» ولا مع «الحزب التقدمي الإشتراكي» ولا مع «القوات اللبنانية» ولا مع «المردة»، وحتى الخلافات المعروفة والعلنية مع «حزب الله»، هناك قرار مِن طرفنا ومن طرفه أننا لن نسمح لها بوقف عمل الحكومة».
وأوضح الحريري أنّ قراره هو «العمل لمصلحة المواطنين والاقتصاد ولبنان، وعدم التلهّي بالمناكفات والزكزكات السياسية التي لا طائل منها»، مشدداً على «ان لا أحد من الاطراف السياسية يريد وقف عمل الحكومة».
باسيل
وليلاً، قال باسيل في مقابلة متلفزة: «انّ ما اعتبره البعض تصعيداً من قبلي هو تعبير عن عدم الرضى عن انطلاقة الحكومة حتى الآن، ونحن وضعنا لأنفسنا مهلة مئة يوم لإطلاق العمل، وقد مضى شهر ونحتاج الى حالة استنفار استثنائية».
وأوضح انه لم يطلق «الصرخة في 14 آذار في وجه جهة معينة، فنحن ايضاً جزء من الحكومة». ورأى انّ «النتيجة التي وصلنا اليها في تشكيل الحكومة هي العدالة في التمثيل، وهذا ما طالبنا به منذ اليوم الاول، ويجب ان تعوّض إنتاجية الحكومة الاشهر التسعة التي ضاعت».
وأقرّ بـ«أنّ قسماً من السوريين لا يستطيعون العودة جرّاء الخوف والظروف، ولكن هناك القسم الآخر الذي لا يعود بسبب المساعدات الدولية التي يحصل عليها هنا. ولذلك نتحدث عن عودة آمنة كريمة وليس طوعية، لأنه قد يبقى هنا ويصبح الامر توطيناً».
واعتبر «انّ صفقة القرن ستولد ميتة». وأوضح «انّ سياستنا الخارجية هي تحقيق مصلحة لبنان وليس اللعب على الحبال، وليس المهم ماذا يقال بل ما هي مصلحتنا».
بري
من جهته، ورداً على سؤال حول الاشتباك الأخير بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، قال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أمس: «لا أعتقد أنّ الخلاف الذي حصل هو خلاف شخصي أو هو يتعلّق بوضع الحكومة».
وإذ لم يُفصح عن أي تفاصيل أخرى، أكد أنه «من البديهي أن تعمل الحكومة ومن البديهي أكثر أن تُطبّق القوانين، فعندما يطبق القانون لا تحصل أي مشكلة».
وحول القوانين المعطلة التنفيذ، قال بري: «ما زلت عند موقفي بأنني متمسّك بضرورة المسارعة إلى تطبيق القوانين المعطّلة من دون أي مبرّر، لأنّ تنفيذها، في رأيي، يؤدي إلى إزالة 90 في المئة من الفساد الذي نعانيه، وأكرّر أن الدولة اللبنانية مع الأسف هي الفاسد الأكبر لأنها لا تطبّق القوانين».
وعُلم أن بري سيوجّه اليوم على الأرجح دعوة إلى جلسة نيابية للأسئلة والأجوبة، وعلى جدول أعمالها 17 سؤالاً نيابياً للحكومة تتمحور حول ملفات خدماتية وأخرى متعلقة بالفساد والإصلاح.
الكهرباء أولاً
وعلى صعيد مجلس الوزراء، يُنتظر أن يُناقش في جلسته غداً مواضيع مهمة، منها خطة الكهرباء والخطة البيئية. وإذ رجّح بعض الوزراء إقرار الخطة الكهربائية في هذه الجلسة، فإنّ مصادر وزارية أكدت لـ«الجمهورية» أنّ «ملف الكهرباء ضخم ويتطلّب أكثر من جلسة لمجلس الوزراء».
وقالت هذه المصادر إنّ «اتصالات جرت قبل الاشتباك لوضع هذا الملف على نار حامية، ويُفترض بعدما نُزع فتيل هذا الاشتباك أن يُصار إلى بدء عملية حَسمه عبر دفعات متتالية من هذه التعيينات، علماً أنّ البعض منها هو موضع اختلاف في وجهات النظر».
الخطة المحدثة
وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيسي الجمهورية والحكومة توافقا أمس على أن تكون خطة الكهرباء المحدثة، البند الأول في جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء غداً، وقد تم توزيعها أمس ملحقاً على الوزراء.
وفي المعلومات انّ الخطوط العريضة لهذه الخطة، والتي يمكن ان تخضع لبعض التعديلات خلال الجلسة، تتضمن عدد المصانع المطلوب إنشاؤها والمدة الزمنية التي لا يزال لبنان في حاجة إليها للتزوّد بالكهرباء من البواخر التي سينتهي دورها تدريجاً.
كذلك، تنص الخطة على تنويع مصادر الطاقة الكهربائية، إذ يبقى الاساس المصانع على الغاز. ولكن الخطة تتضمن توليد كهرباء بواسطة حقول الطاقة الشمسية في الجنوب والشمال والبقاع والجبل، وكذلك توليدها بواسطة الطاقة الهوائية في عكار.
وكان الحريري، الذي التقى وزيرة الطاقة والمياه ندى البستاني أمس، بَشّر بأنّ «خطة الكهرباء ستجهز قريباً»، في وقت شدّد تكتل «لبنان القوي» على أنه من غير المسموح اعتبار ان ّملف الكهرباء يخص «التيار» او اي طرف معيّن، بل هو ملف يخصّ كل اللبنانيين».
وأشار الى انّ بعض التعديلات التي ستطرح في اليومين المقبلين على طاولة الحكومة، تأخذ في الاعتبار كل الملاحظات التي وردت سابقاً والتطور التقني الذي حصل. وطالبَ بعدم تأجيل هذا الموضوع، واعتباره اساسياً، وان تكون الشفافية فيه مطلقة».
وأكد تصميمه على «التعاطي الايجابي مع كل الطروحات البنّاءة، لا تلك الموضوعة للعرقلة لا سمح الله».
عودة النازحين
وفي ملف عودة النازحين، قال الحريري: «إنّ كل اللبنانيين والاطراف السياسية يريدون عودتهم، لكنّ السؤال هو طريقة تحقيق هذه العودة. ومنذ اللحظة الأولى كلّفنا المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم التواصل مع الطرف السوري، وهناك لوائح تم تقديمها، لكنّ الموافقة لا تأتي إلّا على نسب ضئيلة».
واستوضحت «الجمهورية» اللواء ابراهيم هذا الامر، فأجاب: «انّ مسار آلية عودة النازحين يأتي على الشكل التالي: يرفع الامن العام الى الجانب السوري لوائح بأسماء النازحين السوريين الراغبين بالعودة، فتأتي الموافقة على اللوائح كاملة، لكن هناك ملاحظات تُدوّن الى جانب بعض الاسماء المطلوبة للقضاء او الأمن، علماً انّ هناك اتفاقاً بين الامن العام والسلطات السورية على ترك الخيار لمَن تُدوّن ملاحظة الى جانب اسمه، بالبقاء في لبنان او بالعودة الى سوريا لتسوية أوضاعه، فنعود إليه ونخَيّره، ومنهم من يختار العودة لتسوية وضعه وفق الضمانات المعطاة لنا أصلاً. ولو كانت هناك نيّات بتوقيفهم لَما وُضعت ملاحظات الى جانب أسمائهم».