لقاء دمشق إعلان عن تحالف عسكري لتثبيت النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.
يبعث اجتماع رؤساء أركان الجيش في كل من سوريا وإيران والعراق والذي عقد، الاثنين في العاصمة السورية دمشق، بمجموعة من الرسائل والإشارات إلى الجهات المتدخّلة في الملف السوري وخاصة روسيا والولايات المتحدة، ولعل أبرز تلك الرسائل أن إيران هي من تتحكم في قرار الرئيس السوري بشار الأسد، وأن مشروعها لإقامة طريق بري من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشق ارتقى إلى تحالف عسكري مكشوف.
واعتبر وزير الدفاع السوري العماد علي عبدالله أيوب، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عثمان الغانمي ورئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد باقري في دمشق، “زيارة الوفدين الشقيقين إلى دمشق أكثر من مهمة للجميع (..) وما تمخض عنها سيساعدنا على الاستمرار في مواجهة التحديات والأخطار والتهديدات التي أفرزها انتشار الإرهاب التكفيري وتمدده في هذه المنطقة الحيوية من العالم”.
وتعهد أيوب بأن الجيش السوري “سيحرر” مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن في شمال وشرق البلاد، على غرار مناطق أخرى، عن طريق “المصالحات” أو “القوة” العسكرية.
وقالت وسائل إعلام تابعة لإيران إن الاجتماع يهدف إلى بحث التنسيق العسكري بين الدول الثلاث وتحقيق الاستقرار الأمني في المنطقة، بحسب ما أعلنته مصادر عسكرية.
ويعقد هذا الاجتماع بعد أسابيع من زيارة بشار الأسد لطهران، وكانت الأولى له منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، وبعد أيام من زيارة قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق.
ورغم أن الاجتماع يأخذ طابعا عسكريا أمنيا متعلقا بما بعد داعش، إلا أن خبراء في شؤون الشرق الأوسط يلفتون إلى أن التحرك العسكري الثلاثي يراد منه تفحص ردود فعل دول منخرطة في شؤون المنطقة، لاسيما الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل وتركيا، وأن هذا الاجتماع التنسيقي لا يمكن إلا أن يفهم بصفته اللبنة الأولى لمحور مستقل ومعاد لبقية الدوائر الإقليمية والدولية.
ويرسل مضمون الاجتماع إشارة إيرانية واضحة ضد روسيا بأن قرار دمشق وبغداد بيد طهران، وأن أي سعي روسي لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا بات يستلزم الأخذ بعين الاعتبار استراتيجية الحلف مع العراق ونظام سوريا.
ورتبت إيران لهذا الاجتماع بتصريحات قوية تتحدث عن نجاحها في تدريب وتجهيز 200 ألف عنصر من الميليشيات الموالية لها في كل من العراق وسوريا، ما قد يحول المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة يكون للمرتزقة الأجانب دور رئيسي في إدامتها.
وكشف القائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أن بعض القوات الإيرانية أشرفت على تدريب وتنظيم قوات شعبية في كل من سوريا والعراق، وأن عددها يبلغ في البلدين نحو مئتي ألف مقاتل.
ويأتي توقيت الاجتماع العسكري الثلاثي في دمشق بالتزامن مع جولة جديدة يقوم بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى المنطقة، ويمثل تحديا حقيقيا تطلقه طهران وتشارك فيه كل من بغداد ودمشق.
وتساعد قوات أميركية قليلة العدد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شرق البلاد في قتال الدولة الإسلامية. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على منطقة كبيرة على الحدود مع العراق.
وقالت الولايات المتحدة من قبل إنها تريد الحد مما تصفه بالتأثير الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط وخاصة في العراق وسوريا.
ونقلت وكالة فارس الإيرانية للأنباء، الأحد، عن باقري قوله إن الوجود الأميركي في سوريا غير قانوني ولكنه سيكون قصير الأمد.
وتسعى طهران لتقديم نفسها عرابا لشؤون المنطقة بصفتها أصلا في تقرير مستقبل المنطقة عامة وسوريا خاصة، وتتشارك مع روسيا في اعتبار الوجود العسكري الأميركي وجودا غير شرعي.
وقال باقري عقب وصوله إلى دمشق “القوات الموجودة في هذه البلاد دون التنسيق مع الحكومة السورية ستغادر الأراضي السورية عاجلا أم آجلا”.
وأكد أنه “كما دخلت إيران سوريا بدعوة رسمية من الحكومة، فإن على باقي الدول التنسيق مع الحكومة السورية، وهذا الأمر يشمل شرق الفرات ومحافظة إدلب وباقي المناطق، ويجب اتخاذ قرارات مناسبة في الإطار والتأكيد على ضرورة مغادرة تلك القوات في أسرع وقت ممكن”.
واعتبر مراقبون أن تصريحات باقري تستهدف الوجودين الأميركي والتركي داخل سوريا بشكل مباشر، مشيرين إلى أن الاجتماع يؤسس لمقاربة ثلاثية تؤكد العزم على تأمين ممر أمني مشترك يبدأ من إيران مرورا بالعراق وسوريا، وأن استكمال الممر باتجاه لبنان، من خلال ما يملكه حزب الله من هيمنة هناك، سيوفر لطهران تأمين مشروعها الاستراتيجي بالإطلالة العلنية على مياه البحر المتوسط.
وتقع قاعدة التنف العسكرية الأميركية في جنوب شرق سوريا قرب الطريق السريع الذي يربط بغداد بدمشق مما يغلق المعبر الحدودي الرئيسي بين البلدين.
ورأى متخصصون في الشؤون السورية أن الاجتماع يعقد مستندا على رعاية إيرانية لمحور سبق لطهران أن جاهرت بأنه جزء من فضائها الاستراتيجي، وأن اختيار دمشق لهذا الاجتماع هدفه التقليل من أهمية عملية أستانة التي تعمل طهران وموسكو وأنقرة تحت سقفها لمقاربة الحرب السورية.
وفيما اعتبر بعض المراقبين أن الاجتماع إعلامي لا يمكن أن يؤسس لمنظومات سياسية أو عسكرية خارج أي تفاهمات دولية، إلا أنهم لفتوا إلى أن الحدث يضاف إلى الأوراق التي تمتلكها إيران والتي ستطرحها على طاولة أي مفاوضات محتملة مع الغرب حول برامجها النووية والصاروخية ونفوذها في المنطقة. ولفتوا إلى أن طهران تذكّر في مواقفها الأخيرة بما استثمرته وما تملكه في سوريا والعراق.
وتدعو مراجع دبلوماسية عربية إلى عدم التقليل من شأن التوجهات الإيرانية لتشكيل محور لا يمكن إلا أن يكون مخالفا للإجماع العربي.
ويخلق الاجتماع وما حفّ به من تصريحات حوافز إضافية إقليمية ودولية لتصعيد الضغوط ضد طهران على أن تشمل كافة الدول التي تسعى إيران للنفاذ إليها واستخدامها للتهرب من قسوة العقوبات الأميركية واحتمال تحولها إلى عقوبات دولية.